كل الدنيا
أهلا وسهلا
أخي الزائر أختي الزائرة في منتدى كل الدنيا
ندعوك للتسجيل معنا في منتدانا الحبيب لتجد الصحبة الطيبة
والكلمة الحرة والابداع والمعرفة والترفيــــــه
كل الدنيا
أهلا وسهلا
أخي الزائر أختي الزائرة في منتدى كل الدنيا
ندعوك للتسجيل معنا في منتدانا الحبيب لتجد الصحبة الطيبة
والكلمة الحرة والابداع والمعرفة والترفيــــــه
كل الدنيا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


أهلا وسهلا بــ زائر في كل الدنيا نورتنا
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
 الجزء الثالث من الإعجاز البلاغي في التقديم والتأخير  C5c3bc2104
 الجزء الثالث من الإعجاز البلاغي في التقديم والتأخير  97562654
 الجزء الثالث من الإعجاز البلاغي في التقديم والتأخير  95739774
 الجزء الثالث من الإعجاز البلاغي في التقديم والتأخير  Auacac10

 

  الجزء الثالث من الإعجاز البلاغي في التقديم والتأخير

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
TAREK
عضو فعال
عضو فعال
TAREK


تاريخ التسجيل : 04/04/2012
عدد المساهمات : 194

 الجزء الثالث من الإعجاز البلاغي في التقديم والتأخير  Empty
مُساهمةموضوع: الجزء الثالث من الإعجاز البلاغي في التقديم والتأخير     الجزء الثالث من الإعجاز البلاغي في التقديم والتأخير  I_icon_minitimeالخميس أبريل 12, 2012 11:36 pm

تقديم الجار والمجرور:

قد
يقع الظرف خبراً، أو يتقدّم الجار الأصلي فيكون خبراً، وحينئذ يشترط في
الظرف الواقع خبراً وفي الجار الأصلي مع المجرور كذلك – أن يكون تاماً، أي
يحصل بالإخبار به فائدة بمجرد ذكره، ويكمل به المعنى المطلوب من غير خفاء
ولا لبس[32] ولابد للظرف أو الجار والمجرور
من متعلق حتى تتم الفائدة أو المعنى وإلا لم يكن منهما فائدة... وسوف نقف
مع بعض النماذج القرآنية لنرى ما أفاء الله به من أسرار بلاغية لهذا
التقديم.


يقول تعالى:(( ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأنّ له نار جهنم خالداً فيها ذلك الخزي العظيم )) ( التوبة 63 )

لقد
حملت الآية الكريمة على من يحادد الله ورسوله، فكان الزجر والوعيد الناشئ
عن الاستفهام في صدر الآية، وتوكيد الخبر بأنّ واسمية الجملة لأن المنافقين
مع علمهم بهذه الحقيقة نزّلوا منزلة من يجهلها وينكرها لعدم جريهم في
الاعتقاد والسلوك وفق ما يقتضيه علمهم، وتقديم الخبر ( له ) على اسم ( أن
)Sad نار جهنم ) لإفادة القصر، أي له لا لغيره، والإفراد في ( له ) و (
خالداً ) مراد به العموم[33].


ومن ذلك ما جاء في قوله تعالى:((
قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمنّ على من يشاء من عباده
وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون،
وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرنّ على ما آذيتمونا وعلى
الله فليتوكّل المتوكّلون )) ( إبراهيم 11-12 )


ففي
تقديم الجار والمجرور في لفظة الجلالة ( وعلى الله ) في الآيتين لإفادة
القصر والتخصيص أي:التوكل والاعتماد لا يكون إلا على الله لا على غيره...
وجاء لفظ المؤمنون في الآية الأولى لأنه أمر من رسلهم للمؤمنين الذين آمنوا
بالتوكل على الله وحده، وهذا من علامة الإيمان الصادق... وجاء لفظ (
المتوكلون ) في الآية الثانية ليكون معناه، فليثبت المتوكلون على ما
استحدثوا من توكلهم وقصدهم إلى أنفسهم على ما تقدّم [34].


ومن ذلك أيضاً ما جاء في نفس السورة قوله تعالىSad(
وبرزوا لله جميعاً فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعاً فهل
أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء
علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص )) ( إبراهيم 21 )


جاء
تقديم ( لكم ) على ( تبعاً ) لإفادة التخصيص التبعية لهم وقصرها عليهم دون
غيرهم وحبس حياتهم رهن إشارتهم وفيه إظهار مدى ندامتهم وحسرتهم على تلك
التبعية لسادتهم الذين لم يستطيعوا أن يدفعوا عنهم ولا عن أنفسهم شيئاً وقد
هلك الجميع.


ومما جاء في تخصيص الملك والحمد بالله وحده دون غيره قوله تعالى:(( يسبّح لله ما في السموات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير )) ( التغابن 1 )

وقد
وقف ابن الأثير رحمه الله أمام بعض الآيات الواردة في مثل هذه السياقات
السابقة ورفض أن تكون للاختصاص، ونعى على من احتسبها كذلك، كتقديم الظرف في
قوله تعالى:(( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكّلت وإليه أنيب )) ( الشورى 10 )


(( صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور )) ( الشورى 53 )

(( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة )) ( القيامة 22- 23 )

(( والتفّت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق )) ( القيامة 29 -30 )

فقال
ابن الأثير:فإن هذا روعي فيه حسن النظم، لا الاختصاص في تقديم الظرف وفي
القرآن مواضع كثيرة من هذا القبيل يقيسها غير العارف بأسرار الفصاحة على
مواضع أخرى وردت للاختصاص وليست كذلك [35].


ولا
عجب أن يكون التقديم في تلك الآيات للاختصاص مع إفادة الغرض الذي أشار
إليه، لأن المعنى يقتضي ذلك ويتطلبه، فكيف لا نقول أن تقديم ( عليه ) على (
توكلت ) يفيد قصر التوكل على الله لا على غيره ؟! وكذلك الإنابة إليه دون
غيره، وهذا من كمال التوحيد ونقاء العقيدة... ولو فرضنا السياق جاء على غير
هذا التقديم، وكان مثلاً:توكلت عليه وأنبت إليه، لافتقد السياق مزية حسن
النظم، وجلاء المعنى أيضاً فإن الجملة الأخيرة التي تأت على التقديم لتفيد
أن التوكل عليه وعلى غيره أو الإنابة إليه ولا يمنع أن تكون إلى غيره !
ولكن بالتقديم سدت جميع الأبواب وقصرت التوكّل على الله وحده والإنابة إليه
وحده دون غيره.


وفي
آية الغاشية التي رفض ابن الأثير جعلها للاختصاص، وقد ناقض نفسه بقوله:أي
تنظر إلى ربها دون غيره، فتقديم الظرف هنا ليس للاختصاص [36]!!!


فكيف لا يكون تقديم الظرف للاختصاص، وهو يقول تنظر إلى ربها دون غيره !! ويقول الزمخشري:ألا ترى إلى قوله تعالىSad(
إلى ربك يومئذ المستقر )) (( إلى ربك يومئذ المساق )) (( إلى الله تصير
الأمور )) (( وإلى الله المصير )) (( وإليه ترجعون )) (( عليه توكلت
وإليه أنيب ))،
كيف دلّ فيها التقديم على معنى الاختصاص[37].


ومما جاء في التقديم لإفادة التخصيص ورعاية الفاصلة، قوله تعالى:((
بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغياً أن ينزّل الله من
فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين )) (
البقرة 90 )


(( ومن يعص الله ورسوله ويتعدّ حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين ))

ومنه أيضاً قوله تعالى:(( ولقد أرسلنا من قبلك رسلاً إلى قومهم فجاءوهم بالبيّنات فانتقمنا من الّذين أجرموا وكان حقاً علينا نصر المؤمنين )) ( الروم 47 )

فتقديم
التوكيد ( حقاً ) وتقديم خبر كان ( علينا ) لإشعار المؤمنين بالنصر المحقق
الذي لا مرية فيه وفي هذا ترسيخ للعقيدة وحسن التوكّل على الله والثقة فيه
لا في غيره، عندما يشعر المؤمن بأن النصر مختص بالله مقصور عليه سبحانه.


ثالثاً:التقديم بين الآية والآية:

في
هذه الوقفة نرى أسراراً أخرى لأسلوب التقديم مغايرة للمواضيع السابقة،
والمقصود بهذا التقديم الذي يأتي بين الآية والآية هو ما ننظر إليه من حيث
تقديم صيغة على أخرى في بعض آيات السورة الواحدة، أو تقديم آية على آية في
النزول، أو تقديم موضع على آخر في السورة الواحدة، أو التقديم والتأخير في
المتشابه.


أولاً:تقديم صيغة على أخرى في بعض آيات السورة الواحدة:

وقد ورد ذلك في بعض المواضع من آيات الذكر الحكيم لعلة يقتضيها السياق ويتطلّبها المعنى، وذلك نحو قوله تعالى:(( يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحبّ كلّ كفّار أثيم )) ( البقرة 276)

وقوله تعالى:((
وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة فإن أمن بعضكم بعضاً
فليؤد الذي اؤتمن أمانته وليتق الله ربه ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها
فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم )) (البقرة 283 )


فقد
وردت الصيغتان في الآيتين وهما:أثيم – آثم، وتقدّمت الصيغة الأولى على
الثانية للفارق المعنوي بينهما، فـ ( أثيم ) صفة مشبّهة باسم الفاعل، وهي
صيغة مبالغة تفيد الإقامة على فعل ذلك الإثم والإصرار عليه والتمعّن فيه
بلامبالاة، وأثيم:من قوم أثماء، والأثيم:الفاجر[38].


فقد وردت صيغة ( أثيم ) في سياق الحديث عن الربا ومحقه والنفير منه، قال الزمخشري في قوله تعالى:( كل كفار أثيم ) تغليظ في أمر الربا وإيذان بأنه من فعل الكفار ( قوم أثماء ) لا من فعل المسلمين [39].

أما الآية الأخرى فقد وردت في سياق النهي عن كتمان الشهادة (( ولا تكتموا الشهادة )) ثم الوعيد من التهديد عن طريق أسلوب الشرط (( ومن يكتمها فإنه آثم قلبه ))...
وكتمان الشهادة أقل جرماً من تعاطي الربا وممارسته الذي يتأذى منه المجتمع
كله، بينما تأتي ثمرة كتمان الشهادة المرّة على الأفراد... وقد أسند الإثم
إلى القلب لأن كتمان الشهادة ( هو أن يضمرها ولا يتكلّم بها، فلما كان
إنما مقترفاً بالقلب أسند إليه، لأن إسناد الفعل إلى الجارحة التي يعمل بها
أبلغ، ألا تراك تقول إذا أردت التوكيد:هذا مما أبصرته عيني، ومما سمعته
أذني، ومما عرفه قلبي، ولأن القلب هو رئيس الأعضاء والمضغة التي إن صلحت
صلح الجسد كله وإن فسدت فسد الجسد كله، فكأنه قيل:قد تمكّن الإثم في أصل
نفسه وملك أشرف مكان فيه[40].


ومن ذلك ما جاء في قوله تعالى:(( قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرّعاً وخفية لئن أنجانا من هذه لنكوننّ من الشاهدين )) ( الأنعام 63 )

وقوله:(( قل الله ينجيكم منها ومن كلّ كرب ثم أنتم تشركون )) ( الأنعام 64 )

وقد
وردت صيغتان في الآية الكريمة:ينجيكم – أنجانا، وقدّم الأولى على الثانية
لاقتضاء المعنى الذي ينتقي الألفاظ ويحددها، فإن الألفاظ في القرآن نزلت من
لدن القدرة الإلهية معبّرة عن معانيها الدقيقة، فإذا وردت مادة بصيغتين أو
أكثر، فليس ذلك فراراً من التكرار، وإنما يحدث لأن كل صيغة تعبّر عن معنى
لا تعبّر عنه الصيغة الأخرى، مهما تقاربتا [41].


فالصيغة
الأولى التي جاءت بالتشديد ( ينجيكم ) إنما جاءت في جناب الله وحقه، وجاءت
في صيغة الاستفهام المجاب عنه في الآية التي تلتها مباشرة ( قل الله
ينجيكم ) فهي نجاة بالغة العظمة والقدرة، وهي تستمر نجاة بعد نجاة... أما
الصيغة الثانية فقد كانت دعاء منهم، وكانت ( أنجى ) دالة على قلّة احتمال
حدوث النجاة، فقد سبقها ( لئن ) تأتي لتقليل حدوث فعل الشرط ولهذا بالغوا
في جواب ( لئن) عن طريق التوكيد باللام ونون التوكيد الثقيلةSad لنكونن )
رغبة في تقوية حدوث فعل الشرط الذي تتوقف على حدوثه حياتهم [42].


ومن ذلك ما جاء أيضاً في سورة غافر في قوله تعالى:

((
وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلاً أن يقول ربّي الله
وقد جاءكم بالبيّنات من ربكم وإن يك كاذباً فعليه كذبه وإن يك صادقاً يصبكم
بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذّاب )) ( غافر 28 )


فقدّمت
صيغة اسم الفاعل ( كاذباً ) على صيغة المبالغة ( كذّاب ) فالأولى، وقعت في
سياق يوحي بانتفاء الكذب من أصله لتقديم قولهSad( وقد جاءكم بالبيّنات من
ربكم )) فكيف بمن جاء بالبيّنات من رهب أن يكون متّصفاً ولو أدنى اتصاف
بالكذب ؟! ولذلك جاءت الصيغة ( كاذباً ) في سياق ( إن ) الشرطية مع حذف
النون من ( يك ) فلم يقل يكن وهو الأصل ليشعر بانتفاء ذلك، هذا بالإضافة
إلى تنكير (كذبا ) في سياق الشرط لإفادة العموم، أي:وإن يك كاذباً ما، يعني
إن وُجد ذلك من أصله.


أما
صيغة ( كذّاب ) فهي لإفادة المبالغة كما سبق ذكره، وهي ترسم صورة لهذا الذي
يمارس الكذب ويتعاطاه في كل أحوال حياته، حتى استحقّ تعريفه بالمسرف، وعدم
الهداية من الله ( إن الله لا يهدي من هو مسرف كذّاب )


ومن ذلك أيضاً ما جاء في سورة التحريم في قوله تعالىSad(
وإذ أسرّ النبي إلى بعض أزواجه حديثاً فلمّا نبّأت به وأظهره الله عليه
عرّف بعضه وأعرض عن بعض فلمّا نبّأها به قالت من أنبأك هذا قال نبّأني
العليم الخبير )) ( التحريم 3 ).


فجاءت
صيغة ( نبّأها ) متقدمة على ( أنبأك ) ثم أعديت صيغة ( نبّأني ) مرة أخرى،
لأنّ الصيغتين ( نبأ ) في حق النبي صلى الله عليه وسلم،
وما ينبّئ به فهو حق اليقين لأنه لا ينطق عن الهوى، و ( من أنبأك ) حكاية
عن كلام أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها، وهي لم تبلغ مبلغ يقين الرسول صلى
الله عليه وسلم، وقال الراغب الأصفهاني: نبّأته أبلغ من أنبأته (( فلننبئنّ الذين كفروا – ينبّؤ الإنسان يومئذ بما قدّم وأخّر)) ويدلّ على ذلك قوله تعالى:(( فلما نبّأها به قالت من أنبأك هذا قال نبّأني العليم الخبير )) ولم يقل أنبأني بل عدل إلى نبأ الذي هو أبلغ تنبيهاً على تحقيقها وكونه من قبل الله [43].


ومن ذلك أيضاً ما جاء بصيغة المبني للمجهول سابقاً ومتقدّماً على المبني للمعلوم خلافاً للمعهود وذلك في قوله تعالى:(( ويطاف عليهم بآنية من فضّة وأكواب كانت قواريراً قوارير من فضّة قدّروها تقديراً )) ( الإنسان 15 -16 )

وقوله تعالىSad( ويطوف عليهم ولدان مخلّدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤاً منثوراً )) ( الإنسان 19 )

قال الكرماني [44]: إنما ذكر الأول بلفظ المجهول لأن المقصود ما يطاف به لا الطائفون، ولهذا قال:( بآنية من فضة ) ثم ذكر الطائفين فقالSad ويطوف عليهم ولدان مخلّدون )
فالصيغة الأولى جاءت بالبناء للمجهول لأن الفاعل غير مراد، ولكن المراد
تسليط الضوء ولفت الذهن إلى النعم المتعددة في السياق، فإذا انتهى من تعداد
ذلك، كان لائقاً التعقيب بذكر هؤلاء الغلمان الذين يقومون بخدمة المؤمنين
ويقدّمون لهم ما يقدّم من ألوان هذه النعم التي ذكرت من قبل، وإنه لمن
المعقول حقاً أن يتقدّم تعداد النعم على من يقومون بتقديمها [45].


ومن ذلك أيضاً ما جاء مقدّماً بالتضعيف على وزن ( فعّل ) على الفعل المهموز على وزن أفعل، يقول تعالى:(( فمهّل الكافرين أمهلهم رويداً )) ( الطارق 17 )

وقد نصّ الكرماني[46] على
أن ذلك ليس من التكرار، والتقدير:مهّل، مهل لكنه عدل في الثاني إلى
قوله:أمهل كراهة التكرار وخالفة الزمخشري واعتبره من التكرار، فقال:أي
إمهالاً يسيراً، وكرّر وخالف بين اللفظين لزيادة التسكين منه والتبصّير [47].


أي:في
ذلك إشاعة جو من الطمأنينة والسكينة في قلب النبي وقلب المؤمنين ليثبتوا
مع النبي ويصبروا على أذى الكافرين... وهذا وإذا كان ختام السورة بهذا
التكرار المؤدى للتوكيد، فإن فيه اتفاق واتساق مع بداية السورة بالقسم
المفيد للتوكيد أيضاً ثم بتكرار كلمة الطارق التي أشاعت جرساً قويّ الإيقاع
في جو المشهد.


ثانياً: تقديم آية على أخرى في النزول:

من
المعلوم أن من الآيات ما نزل لسبب من الأسباب أو لمعالجة موقف من المواقف
التي وقعت في حياة المسلمين ومنها ما نزل لإثبات حكم شرعي أراده الله لصالح
الحياة والممات.. وكانت هذه الآيات تناسب أحوال الناس وعمر الدعوة
الإسلامية فيهم ومدى صلابة العقيدة في ذلك الوقت، فما نزل بمكّة يختلف في
الأحكام والشرائع عمّا نزل بالمدينة، فإن من أسرار القرآن أنه يمسك بأحوال
النفس الإنسانية كلها، ويجيء إليها بما يناسب كل حال منها في مواجهتها
للأحداث وفي تصورها لها وإحساسها بها [48].


وإذا نظرنا إلى أوّل ما نزل من القرآن الكريم فسنجد قوله تعالى:(( اقرأ باسم ربّك الذي خلق، خلق الإنسان من علق )) ( العلق 1-2 )

فجاء
الخبر بأن الله خلق الإنسان من علق، والعلقة ( الدم الجامد ). وإذا جرى فهو
الدم المسفوح وقالSad من علق ) بجمع علق، لأن المراد بالإنسان الجنس، وإذا
كان المراد بقولهSad الذي خلق ) كل المخلوقات، فيكون تخصيص الإنسان بالذكر
تشريفاً له، وإذا كان المراد بالذي خلق:الذي خلق الإنسان، فيكون الثاني
تفسيراً للأول، والنكتة ما في الإبهام ثم التفسير، من التفات الذهن وتطلّعه
إلى معرفة ما أبهم أولاً، ثم فسّر ثانياً [49].


وهذه الآية مكّية وقد تقدّمت في النزول على آية سورة المؤمنون وهي مكّية أيضاً وذلك في قوله تعالى:((
ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا
النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً
ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين )) ( المؤمنون 12-14 )


والعلّة
في ذلك والله تعالى أعلم أن آية العلق كانت في بداية ظهور الإسلام وأولى
نسائمه ولم تكن النفوس مهيّئة لاستقبال الأمر المفصّل أو الشرح المطوّل
بدقائقه، فأجمل لكي يمسّ القلب ويطرقه طرقاً خفيفاً يوقظ الذهن من غفوته
وغفلته، ثم جاء بعد ذلك التفصيل ووصف المراحل الدقيقة في سورة المؤمنون
بعدها تهيّأت النفوس لذلك واستعدّت لاستقباله وفهمه.


ومن
ذلك أيضاً ما جاء من الآيات مقدّماً بعضه على بعض في تحريم شرب الخمر، وذلك
مراعاة لمقتضى الحالة التي كان عليها المسلمون من شربها في ذلك الوقت، فلم
يكن سهلاً أن ينقلهم الإسلام فجأة من المألوف إلى التحريم، فنزلت الآيات
بالتدرّج في مراحل التحريم، فتقدّمت أولاً آية بيان الإثم الأكبر والمنافع
الأقل للخمر، فأصبح التنفير واقعاً في النفس، يقول تعالى:((
يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من
نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبيّن الله لكم الآيات لعلّكم
تتفكّرون )) ( البقرة 219 )


ثم نزل في مراحل ثانية قوله تعالى:((
يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون
ولا جنباً إلّا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء
أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً
فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوّاً غفوراً )) ( النساء 43 )


فانتقل
المسلمون مع هذه الآية نقلة ثانية تالية للمرحلة الأولى، فصاروا يتجنبون
شربها في النهار الجامع لأطراف الصلاة، حتى أصبح الوقت المباح لشربها هو
الليل وقليل فاعله، ثم كانت المرحلة الأخيرة التي أتمّ الله تعالى فيها
التحريم القاطع إلى يوم الدين، قال تعالى:(( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون )) ( المائدة 90 ) فهم في هذه المرحلة كانوا على أتم الاستعداد النفسي والجسدي لاستقبال هذا الأمر وتنفيذه من فوره دون معاناة أو تملل.


صورة
أخرى متكاملة تحمل أجزاء المشهد الواحد لو ضُم بعضه إلى بعض، ولكنه يبدأ
بأخف المراحل فيقدّمها أولاً ثمّ يتدرّج إلى الأشدّ حتى يبلغ الغاية ويفي
بها... إن ذاك مع عصا موسى عليه السلام، يقول تعالى:(( قال هي عصاي أتوكّأ عليها وأهشّ بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى قال ألقها يا موسى فألقاها فإذا هي حيّة تسعى )) ( طه 18-20 )، ويقول تعالى:(( وألق عصاك فلما رآها تهتزّ كأنها جانّ ولّى مدبراً ولم يعقب يا موسى لا تخف إنّي لا يخاف لديّ المرسلون )) ( النمل 10 )


ويقول تعالىSad( وأن ألق عصاك فلما رآها تهتزّ كأنها جانّ ولّى مدبراً ولم يعقّب يا موسى أقبل ولا تخف إنّك من الآمنين )) ( القصص 31 )

ويقول تعالى:(( فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين )) ( الأعراف 107 ) ويقول تعالى:(( فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين )) ( الشعراء 32 )

ونفهم
من هذا الترتيب أن أول اختبار لموسى مع العصا أنها ظهرت له في صورة ( حيّة
تسعى ) فوقع في نفسه ما وقع من خوف... ثم جاء الاختبار الثاني في سورة
النمل وهي متأخرة نزولاً عن سورة طه وفيها تظهر العصا حيّة في ضخامتها
وجاناً في انطلاقها واقتضاها ولهذا لم يخف مجرد خوف كما فعل حين واجه الحية
ولكنه ولى مدبراً ولم يعقب[50]


أما
الصورة الثالثة فهي تحوّل العصا إلى ثعبان مبين، وهذا المشهد قد وصل إلى
ذروته لأن مشهد إلقاء العصا يغاير المشهدين السابقين الذين كانا على سبيل
الإعداد والتجهيز النفسي.. أما المشهد الثالث فهو مشهد الواقعة والتحدي،
فكانت الصورة التي جمعت بين الحية والجان في كيان واحد قد برزت كاملة في
قوله تعالى:فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين، ثعبان لا كالثعابين... وإنما هو
ثعبان عظيم... فيه خفّة الثعبان ونشاطه وعظم الحية وضخامتها... وفي كلا
الموضعين تقع الصورة التي تجيء عليها المعجزة على حال واحدة... ولهذا جاء
النظم القرآني لهما على سواء[51]


(فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين في سورتي) الأعراف و(فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين في سورتي) الشعراء.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الجزء الثالث من الإعجاز البلاغي في التقديم والتأخير
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  الجزء الثاني من الإعجاز البلاغي في التقديم والتأخير
»  الجزء الرابع والأخير من الإعجاز البلاغي في التقديم والتأخير
»  الجزء الأول من الإعجاز البلاغي في استخدام الفعل المبني للمجهول
»  الإيجاز البلاغي في قصة النبي يوسف
» موضوع: زكي الكناس رئيس جمهورية (الجزء الثالث)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
كل الدنيا :: القسم الإسلامي :: منتدى الاعجاز القرآني-
انتقل الى: