TAREK عضو فعال
تاريخ التسجيل : 04/04/2012 عدد المساهمات : 194
| موضوع: تفسير ابن كثير لسورة الفاتحة الجزء الاول الخميس أبريل 05, 2012 11:33 pm | |
| يقال لها: الفاتحة، أي فاتحة الكتاب خطا، وبها تفتح القراءة في الصلاة ويقال لها أيضا: أم الكتاب عند الجمهور، وكره أنس، والحسن وابن سيرين كرها تسميتها بذلك، قال الحسن وابن سيرين: إنما ذلك اللوح المحفوظ، وقال الحسن :الآيات المحكمات :هن أم الكتاب، ولذا كرها -أيضا -أن يقال لها أم القرآن وقد ثبت في[الحديث] الصحيح عند الترمذي وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الحمد لله أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني والقرآن العظيم " ويقال لها: الحمد، ويقال لها:الصلاة، لقوله عليه السلام عن ربه: " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال العبد: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، قال الله: حمدني عبدي " الحديث. فسميت الفاتحة: صلاة؛ لأنها شرط فيها. ويقال لها: الشفاء؛ لما رواه الدارمي عن أبي سعيد مرفوعا: " فاتحة الكتاب شفاء من كل سم " . ويقال لها:الرقية؛ لحديث أبي سعيد في الصحيح حين رقى بها الرجل السليم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وما يدريك أنها رقية؟ " . وروى الشعبي عن ابن عباس أنه سماها: أساس القرآن، قال: فأساسها بسم الله الرحمن الرحيم، وسماها سفيان بن عيينة: الواقية. وسماها يحيى بن أبي كثير: الكافية؛ لأنها تكفي عما عداها ولا يكفي ما سواها عنها، كما جاء في بعض الأحاديث المرسلة: " أم القرآن عوض من غيرها، وليس غيرها عوضا عنها " اضغط هنا . ويقال لها: سورة الصلاة والكنـز ذكرهما الزمخشري في كشافه. وهي مكية، قاله ابن عباس وقتادة وأبو العالية، وقيل مدنية، قاله أبو هريرة ومجاهد وعطاء بن يسار والزهري. ويقال: نـزلت مرتين: مرة بمكة، ومرة بالمدينة، والأول أشبه لقوله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي [الحجر: 87]، والله أعلم . وحكى أبو الليث السمرقندي أن نصفها نـزل بمكة ونصفها الآخر نـزل بالمدينة، وهو غريب جدًا، نقله القرطبي عنه. وهي سبع آيات بلا خلاف، [وقال عمرو بن عبيد: ثمان، وقال حسين الجعفي: ستة وهذان شاذان] . وإنما اختلفوا في البسملة: هل هي آية مستقلة من أولها كما هو عند جمهور قراء الكوفة وقول الجماعة من الصحابة والتابعين وخلق من الخلف، أو بعض آية أو لا تعد من أولها بالكلية، كما هو قول أهل المدينة من القراء والفقهاء؟ على ثلاثة أقوال، سيأتي تقريره في موضعه إن شاء الله تعالى، وبه الثقة.
قالوا: وكلماتها خمس وعشرون كلمة، وحروفها مائة وثلاثة عشر حرفًا. قال البخاري في أول كتاب التفسير: وسميت أم الكتب، أنه يبدأ بكتابتها في المصاحف، ويبدأ بقراءتها في الصلاة وقيل: إنما سميت بذلك لرجوع معاني القرآن كله إلى ما تضمنته. قال ابن جرير: والعرب تسمي كل جامع أمر أو مقدم لأمر -إذا كانت له توابع تتبعه هو لها إمام جامع -أُمًّا، فتقول للجلدة التي تجمع الدماغ، أمّ الرأس، ويسمون لواء الجيش ورايتهم التي يجتمعون تحتها أُمًّا، واستشهد بقول ذي الرمة:
علـى رأسـه أم لنا نقتـدي بها
جمـاع أمـور ليس نعصي لهـا أمرا
يعني: الرمح. قال: وسميت مكة: أم القرى لتقدمها أمام جميعها وجمعها ما سواها، وقيل: لأن الأرض دحيت منها.
ويقال لها أيضًا: الفاتحة؛ لأنها تفتتح بها القراءة، وافتتحت الصحابة بها كتابة المصحف الإمام، وصح تسميتها بالسبع المثاني، قالوا: لأنها تثنى في الصلاة، فتقرأ في كل ركعة، وإن كان للمثاني معنى آخر غير هذا، كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله .قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون، أنا ابن أبي ذئب وهاشم بن هاشم عن ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأم القرآن: " هي أم القرآن، وهي السبع المثاني، وهي القرآن العظيم " . ثم رواه عن إسماعيل بن عمر عن ابن أبي ذئب به، وقال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: حدثني يونس بن عبد الأعلى، أنا ابن وهب، أخبرني ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " هي أم القرآن، وهي فاتحة الكتاب، وهي السبع المثاني " .وقال الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه في تفسيره: حدثنا أحمد بن محمد بن زياد، ثنا محمد بن غالب بن حارث، ثنا إسحاق بن عبد الواحد الموصلي، ثنا المعافى بن عمران، عن عبد الحميد بن جعفر، عن نوح بن أبي بلال، عن المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) سبع آيات: بسم الله الرحمن الرحيم إحداهن، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم، وهي أم الكتاب " اضغط هنا .
وقد رواه الدارقطني أيضا عن أبي هريرة مرفوعا بنحوه أو مثله، وقال: كلهم ثقات اضغط هنا .وروى البيهقي عن علي وابن عباس وأبي هريرة أنهم فسروا قوله تعالى: سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي [الحجر: 87] بالفاتحة، وأن البسملة هي الآية السابعة منها، وسيأتي تمام هذا عند البسملة.
وقد روى الأعمش عن إبراهيم قال: قيل لابن مسعود: لِمَ لَمْ تكتب الفاتحة في مصحفك؟ قال: لو كتبتها لكتبتها في أول كل سورة. قال أبو بكر بن أبي داود: يعني حيث يقرأ في الصلاة، قال: واكتفيت بحفظ المسلمين لها عن كتابتها.
وقد قيل : إن الفاتحة أول شيء نـزل من القرآن، كما ورد في حديث رواه البيهقي في دلائل النبوة اضغط هنا ونقله الباقلاني أحد أقوال ثلاثة هذا [أحدها] وقيل: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ كما في حديث جابر في الصحيح . وقيل: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق: 1] وهذا هو الصحيح، كما سيأتي تقريره في موضعه، والله المستعان.
ذكر ما ورد في فضل الفاتحة
قال الإمام أحمد بن محمد بن حنبل، رحمه الله، في مسنده: حدثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، حدثني خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي سعيد بن المُعَلَّى، رضي الله عنه، قال: كنت أصلي فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم أجبه حتى صلَّيت وأتيته، فقال: " ما منعك أن تأتيني؟ " . قال: قلت: يا رسول الله، إني كنت أصلي. قال: " ألم يقل الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ [الأنفال: 24] ثم قال: " لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد " . قال: فأخذ بيدي، فلما أراد أن يخرج من المسجد قلت: يا رسول الله إنك قلت: " لأعلمنك أعظم سورة في القرآن " . قال: " نعم، الحمد لله رب العالمين هي: السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته " .
وهكذا رواه البخاري عن مسدد، وعلي بن المديني، كلاهما عن يحيى بن سعيد القطان، به .ورواه في موضع آخر من التفسير، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه من طرق عن شعبة، به .ورواه الواقدي عن محمد بن معاذ الأنصاريّ، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي سعيد بن المُعَلَّى، عن أبي بن كعب، فذكر نحوه.
وقد وقع في الموطأ للإمام مالك بن أنس، ما ينبغي التنبيه عليه، فإنه رواه مالك عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الحُرَقي: أن أبا سعيد مولى عامر بن كريز أخبرهم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى أبي بن كعب، وهو يصلي في المسجد، فلما فرغ من صلاته لحقه، قال: فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على يدي، وهو يريد أن يخرج من باب المسجد، ثم قال: " إني لأرجو ألا تخرج من باب المسجد حتى تعلم سورة ما أنـزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلها " . قال أبيّ: فجعلت أبطئ في المشي رجاء ذلك، ثم قلت: يا رسول الله، ما السورة التي وعدتني؟ قال: " كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة؟ قال: فقرأت عليه: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حتى أتيت على آخرها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هي هذه السورة، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيت " .فأبو سعيد هذا ليس بأبي سعيد بن المُعَلّى، كما اعتقده ابن الأثير في جامع الأصول ومن تبعه ، فإن ابن المعلى صحابي أنصاري، وهذا تابعي من موالي خزاعة، وذاك الحديث متصل صحيح، وهذا ظاهره أنه منقطع، إن لم يكن سمعه أبو سعيد هذا من أبيّ بن كعب، فإن كان قد سمعه منه فهو على شرط مسلم، والله أعلم. على أنه قد روي عن أبيّ بن كعب من غير وجه كما قال الإمام أحمد:
حدثنا عفَّان، حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم، حدثنا العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي بن كعب، وهو يصلي، فقال: " يا أبي " ، فالتفت ثم لم يجبه، ثم قال: أبي، فخفف. ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: السلام عليك أيْ رسول الله. قال: " وعليك السلام " [قال] " ما منعك أيْ أبيّ إذ دعوتك أن تجيبني؟ " . قال: أيْ رسول الله، كنت في الصلاة، قال: " أولست تجد فيما أوحى الله إلي اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ [الأنفال: 24] " . قال: بلى يا رسول الله، لا أعود، قال: " أتحب أن أعلمك سورة لم ينـزل لا في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها؟ " قلت: نعم، أي رسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني لأرجو ألا أخرج من هذا الباب حتى تعلمها " قال: فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي يحدثني، وأنا أتبطأ ، مخافة أن يبلغ قبل أن يقضي الحديث، فلما دنونا من الباب قلت: أيْ رسول الله، ما السورة التي وعدتني قال: " ما تقرأ في الصلاة؟ " . قال: فقرأت عليه أم القرآن، قال: " والذي نفسي بيده ما أنـزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور، ولا في الفرقان مثلها؛ إنها السبع المثاني " . ورواه الترمذي، عن قتيبة، عن الدَّرَاوَرْدِي، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، فذكره ، وعنده: إنها من السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيته، ثم قال: هذا حديث حسن صحيح.
وفي الباب، عن أنس بن مالك، ورواه عبد الله بن [الإمام] أحمد، عن إسماعيل بن أبي مَعْمَر، عن أبي أسامة، عن عبد الحميد بن جعفر، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن أبي بن كعب، فذكره مطولا بنحوه، أو قريبا منه .وقد رواه الترمذي والنسائي جميعا عن أبي عمار حسين بن حريث، عن الفضل بن موسى، عن عبد الحميد بن جعفر، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن أبيّ بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أنـزل الله في التوراة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن، وهي السبع المثاني، وهي مقسومة بيني وبين عبدي "، هذا لفظ النسائي. وقال الترمذي: حسن غريب.
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا هاشم، يعني ابن البريد حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل، عن ابن جابر، قال: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أهراق الماء، فقلت: السلام عليك يا رسول الله. فلم يرد عليّ، قال: فقلت: السلام عليك يا رسول الله. فلم يرد عليّ، قال: فقلت: السلام عليك يا رسول الله، فلم يرد عليّ. قال: فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي، وأنا خلفه حتى دخل رحله، ودخلت أنا المسجد، فجلست كئيبًا حزينًا، فخرج عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تطهر، فقال: " عليك السلام ورحمة الله، وعليك السلام ورحمة الله، وعليك السلام ورحمة الله " ثم قال: " ألا أخبرك يا عبد الله بن جابر بأَخْير سورة في القرآن؟ " قلت: بلى يا رسول الله. قال: " اقرأ: الحمد لله رب العالمين، حتى تختمها " .هذا إسناد جيد، وابن عقيل تحتج به الأئمة الكبار، وعبد الله بن جابر هذا هو الصحابي، ذكر ابن الجوزي أنه هو العبديّ، والله أعلم. ويقال: إنه عبد الله بن جابر الأنصاري البياضي، فيما ذكره الحافظ ابن عساكر .واستدلوا بهذا الحديث وأمثاله على تفاضل بعض الآيات والسور على بعض، كما هو المحكي عن كثير من العلماء، منهم: إسحاق بن راهويه، وأبو بكر بن العربي، وابن الحصار من المالكية. وذهبت طائفة أخرى إلى أنه لا تفاضل في ذلك؛ لأن الجميع كلام الله، ولئلا يوهم التفضيل نقص المفضل عليه، وإن كان الجميع فاضلا نقله القُرطُبي عن الأشعريّ، وأبي بكر الباقلاني، وأبي حاتم بن حبان البستي، ويحيى بن يحيى، ورواية عن الإمام مالك [أيضا] .
حديث آخر : قال البخاري في فضائل القرآن: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا وهب، حدثنا هشام، عن محمد، بن معبد، عن أبي سعيد الخدري، قال: كنا في مسير لنا، فنـزلنا، فجاءت جارية فقالت: إن سيد الحي سليم، وإن نَفَرَنَا غُيَّب، فهل منكم راق؟ فقام معها رجل ما كنا نَأبِنُه برقية، فرقاه، فبرأ، فأمر له بثلاثين شاة، وسقانا لبنا، فلما رجع قلنا له: أكنت تحسن رقية، أو كنت ترقي؟ قال: لا ما رقيت إلا بأم الكتاب، قلنا: لا تحدثوا شيئا حتى نأتي، أو نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قدمنا المدينة ذكرناه للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: " وما كان يُدْريه أنها رقية، اقسموا واضربوا لي بسهم " .
وقال أبو معمر: حدثنا عبد الوارث، حدثنا هشام، حدثنا محمد بن سيرين، حدثني معبد بن سيرين، عن أبي سعيد الخدري بهذا.
وهكذا رواه مسلم، وأبو داود من رواية هشام، وهو ابن حسان، عن ابن سيرين، به . وفي بعض روايات مسلم لهذا الحديث: أن أبا سعيد هو الذي رقى ذلك السليم، يعني: اللديغ يسمونه بذلك تفاؤلا.
حديث آخر : روى مسلم في صحيحه، والنسائي في سننه، من حديث أبي الأحوص سلام بن سليم، عن عمار بن رُزَيق، عن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده جبريل، إذ سمع نقيضًا فوقه، فرفع جبريل بصره إلى السماء، فقال: هذا باب قد فتح من السماء، ما فتح قط. قال: فنـزل منه ملك، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، ولن تقرأ حرفًا منهما إلا أوتيته. وهذا لفظ النسائي.
ولمسلم نحوه حديث آخر : قال مسلم: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، هو ابن راهويه، حدثنا سفيان بن عيينة، عن العلاء، يعني ابن عبد الرحمن بن يعقوب الحُرَقي عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " من صلى صلاة لم يقرأ فيها أم القرآن فهي خِداج -ثلاثًا-غير تمام " . فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام، قال: اقرأ بها في نفسك؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قال الله عز وجل: قَسَمْتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة: 2]، قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة: 3]، قال الله: أثنى علي عبدي، فإذا قال: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة: 4]، قال مجدني عبدي -وقال مرة: فوض إلي عبدي -فإذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: 5]، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة: 6، 7]، قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل " .
وهكذا رواه النسائي، عن إسحاق بن راهويه . وقد روياه -أيضًا-عن قتيبة، عن مالك، عن العلاء، عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة، عن أبي هريرة، به وفي هذا السياق: " فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل " .
وكذا رواه ابن إسحاق، عن العلاء، وقد رواه مسلم من حديث ابن جُرَيْج، عن العلاء، عن أبي السائب هكذا .
ورواه -أيضًا-من حديث ابن أبي أويس، عن العلاء، عن أبيه وأبي السائب، كلاهما عن أبي هريرة .
وقال الترمذي: هذا حديث حسن، وسألت أبا زُرْعَة عنه فقال: كلا الحديثين صحيح، من قال: عن العلاء، عن أبيه، وعن العلاء عن أبي السائب .
وقد روى هذا الحديث عبد الله ابن الإمام أحمد، من حديث العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن أبيّ بن كعب مطولا .
قال ابن جرير: حدثنا صالح بن مسمار المروزي، حدثنا زيد بن الحباب، حدثنا عَنْبسة بن سعيد، عن مُطَرَّف بن طريف، عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عُجْرَة، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، وله ما سأل، فإذا قال العبد: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ قال: حمدني عبدي، وإذا قال: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال: أثنى علي عبدي. ثم قال: هذا لي وله ما بقي " اضغط هنا
وهذا غريب من هذا الوجه.
ثم الكلام على ما يتعلق بهذا الحديث مما يختص بالفاتحة من وجوه:
أحدها : أنه قد أطلق فيه لفظ الصلاة، والمراد القراءة كقوله تعالى: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا [الإسراء: 110]، أي: بقراءتك كما جاء مصرحًا به في الصحيح، عن ابن عباس وهكذا قال في هذا الحديث: " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل " ثم بيّن تفصيل هذه القسمة في قراءة الفاتحة فدل على عظم القراءة في الصلاة، وأنها من أكبر أركانها، إذ أطلقت العبادة وأريد بها جزء واحد منها وهو القراءة؛ كما أطلق لفظ القراءة والمراد به الصلاة في قوله: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء: 78]، والمراد صلاة الفجر، كما جاء مصرحا به في الصحيحين: من أنه يشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار، فدل هذا كله على أنه لا بد من القراءة في الصلاة، وهو اتفاق من العلماء.
ولكن اختلفوا في مسألة نذكرها في الوجه الثاني، وذلك أنه هل يتعين للقراءة في الصلاة فاتحة الكتاب، أم تجزئ هي أو غيرها؟ على قولين مشهورين، فعند أبي حنيفة ومن وافقه من أصحابه وغيرهم أنها لا تتعين، بل مهما قرأ به من القرآن أجزأه في الصلاة، واحتجوا بعموم قوله تعالى: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [المزمل: 20]، وبما ثبت في الصحيحين، من حديث أبي هريرة في قصة المسيء صلاته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: " إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن " قالوا: فأمره بقراءة ما تيسر، ولم يعين له الفاتحة ولا غيرها، فدل على ما قلناه.
والقول الثاني : أنه تتعين قراءة الفاتحة في الصلاة، ولا تجزئ الصلاة بدونها، وهو قول بقية الأئمة: مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأصحابهم وجمهور العلماء؛ واحتجوا على ذلك بهذا الحديث المذكور، حيث قال صلوات الله وسلامه عليه: " من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خِدَاج " والخداج هو: الناقص كما فسَّر به في الحديث: " غير تمام " . واحتجوا -أيضًا-بما ثبت في الصحيحين من حديث الزهريّ، عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصّامت، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " . وفي صحيح ابن خزيمة وابن حبان، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن " والأحاديث في هذا الباب كثيرة، ووجه المناظرة هاهنا يطول ذكره، وقد أشرنا إلى مأخذهم في ذلك، رحمهم الله.
ثم إن مذهب الشافعيّ وجماعة من أهل العلم: أنه تجب قراءتها في كل ركعة. وقال آخرون: إنما تجب قراءتها في معظم الركعات، وقال الحسن وأكثر البصريين: إنما تجب قراءتها في ركعة واحدة من الصلوات، أخذا بمطلق الحديث: " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " .
وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي: لا تتعين قراءتها، بل لو قرأ بغيرها أجزأه لقوله: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [المزمل: 20]، [كما تقدم] والله أعلم.
وقد روى ابن ماجه من حديث أبي سفيان السعدي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد مرفوعًا: " لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة بالحمد وسورة في فريضة أو غيرها " اضغط هنا . وفي صحة هذا نظر، وموضح تحرير هذا كله في كتاب الأحكام الكبير، والله أعلم.
الوجه الثالث : هل تجب قراءة الفاتحة على المأموم؟ فيه ثلاثة أقوال للعلماء:
أحدها : أنه تجب عليه قراءتها، كما تجب على إمامه؛ لعموم الأحاديث المتقدمة.
والثاني : لا تجب على المأموم قراءة بالكلية لا الفاتحة ولا غيرها، لا في الصلاة الجهرية ولا السرية، لما رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده، عن جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة " ولكن في إسناده ضعف اضغط هنا . ورواه مالك، عن وهب بن كَيْسَان، عن جابر من كلامه . وقد روي هذا الحديث من طرق، ولا يصح شيء منها عن النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.
والقول الثالث : أنه تجب القراءة على المأموم في السرية، لما تقدم، ولا تجب في الجهرية لما ثبت في صحيح مسلم، عن أبي موسى الأشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما جعل الإمام ليؤتم به؛ فإذا كبَّر فكبّروا، وإذا قرأ فأنصتوا " وذكر بقية الحديث .
وهكذا رواه أهل السنن؛ أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " وإذا قرأ فأنصتوا " اضغط هنا . وقد صححه مسلم بن الحجاج أيضا، فدل هذان الحديثان على صحة هذا القول وهو قول قديم للشافعي، رحمه الله، ورواية عن الإمام أحمد بن حنبل .
والغرض من ذكر هذه المسائل هاهنا بيان اختصاص سورة الفاتحة بأحكام لا تتعلق بغيرها من السور، والله أعلم.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهريّ، حدثنا غسان بن عبيد، عن أبي عمران الجَوْني، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا وضعت جنبك على الفراش، وقرأت فاتحة الكتاب و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فقد أمنت من كل شيء إلا الموت " | |
|