TAREK عضو فعال
تاريخ التسجيل : 04/04/2012 عدد المساهمات : 194
| موضوع: الإعجاز البياني في الصوت القرآني الجزء الأول الخميس أبريل 12, 2012 11:38 pm | |
| الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً، أنزله بأفصح لسان، وأودع في آيه غرر البلاغة ودرر البيان، تحدى به قوماً ملكوا ناصية الفصاحة وفنون الكلام، فبهرتهم نغماته ومداته، حركاته وسكناته، سلاسة ألفاظه، وإحكام أساليبه حتى قال قائلهم: ( والله إن للقول الذي يقوله لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله، وإنه ليعلو ولا يُعلى عليه، وإنه ليحطم ما تحته)[1].
وحُقّ للوليد بن المغيرة أن يقول ذاك، فهو يتحدث عن ( كتاب الله الذي فيه نبأ من قبلنا، وخبر ما بعدنا، وحكم ما بيننا، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، فهو حبل الله المتين، ونوره المبين، وصراطه المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأفئدة ولا تضل به الأهواء، ولا تتشعب معه الآراء، ولا يخلق على كثرة الرد، لا يشبع منه العلماء ولا يملّه الأتقياء، وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته إلا أن قالوا { إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحداً } من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم )[2]
قراءته لا تزيد القارئ إلا حلاوة، وترديده لا يزيد القارئ إلا محبّة، ولا يزال غضّاً طريّاً، وغيره من الكلام – ولو بلغ في الحسن والبلاغة مبلغه – يُملّ من الترديد، ويُعادى إذا أُعيد، لأن إعادة الحديث على القلب أثقل من الحديد، كما قال السيوطي رحمه الله تعالى.[3]
وسيظل كتاب الله غضّاً طريّاً، وبحراً زاخراً باللؤلؤ والدر والمرجان، رحب المدى، عميق الأغوار لكنه مشرع الأبواب مهما قرأه القارئ وأعاده فسيظفر في كل مرة منه بعجائب من عجائبه التي لا تنقضي، فهذا سهل بن عبد الله يقول: (( لو أعطي العبد بكل حرف من القرآن ألف فهم لم يبلغ نهاية ما أودع الله في آية من كتابه، وإنما يفهم كل بمقدار ما يفتح الله على قلبه )) [4]
ولذلك أصبح القرآن الكريم – ومازال – يشكّل بؤرة اهتمام العلماء المسلمين، فقد شُغل به العلماء – كلٌ في مجال اهتمامه – بحثاً وتأمّلاً. فظهرت نتيجة ذلك علومٌ كثيرةٌ، ارتبطت بالقرآن الكريم كعلم الفقه، وعلم الأصول، وعلم التفسير، وعلم البلاغة، وعلم النحو، وعلم الإعجاز، وغيرها من العلوم.
كل علم من هذه العلوم يركّز على جانب معيّن من جوانب هذا الكتاب العظيم، فالفقه يهتمّ ببيان الأحكام الواردة فيه، والتفسير يهتمّ ببيان معانيه، والنحو يهتمّ بإعراب كلماته وجمله للكشف عن أوجه المعاني وقراءة آياته خالية من اللحن، وهكذا دواليك.
ومن هذه العلوم التي ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالقرآن، ووضعت لأجله، قاصرة طرفها عليه، علم التجويد، الذي يعني تجويد القراءة وتحسينها لهذا القرآن المعجز، وذلك بإعطاء كل حرف من حروفه حقّه ومستحقّه من مخرجه وصفته اللازمة له.[5]
لقد مثّل علم التجويد وصفاً دقيقاً لتلك الأحكام والقواعد التي يجب اتباعها عند قراءة هذا النص القرآني.
وقد اهتمّ علماء التجويد بأصوات القرآن الكريم، وما يحدث لها داخل النص القرآني، فجاءت مباحثه لتدرس:
1- أحكام النون الساكنة والتنوين.
2- أحكام الميم الساكنة.
3- أحكام المدود.
4- مخارج الحروف وصفاتها.
وغيرها من الأحكام المتعلّقة بأصوات القرآن الكريم وحروفه، هذه الأحكام والقواعد تصف لنا كيف نقرأ كتاب ربنا كما أنزله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وكما قرأه صلى الله عليه وسلم على صحابته الكرام، وكما أقرأه أصحابه الكرام لتابعيهم إلى أن وصل إلينا محفوظاً بالسند الصحيح مبرّأ من كل عيب ولحن.
ومن هنا يمكننا القول بأن الصوت القرآني قد وجد حظّه من الاهتمام، متمثّلاً في هذا التراث الضخم الذي بين أيدينا من مؤلّفات علم التجويد ومدوناته.
لكن ما علاقة ما قدمنا بما نحن بصدده من بيان الإعجاز البياني في الصوت القرآني ؟
إن غرضي من هذا الكلام هو أن أتوصّل إلى أن هناك قواعد وضعها لنا القدماء للسير عليها والاستهداء بها في فهم النص القرآني، فما علينا إلا أن نتنبّه لها وننعم النظر فيها، لننطلق منها ونكمل المسير.
وهذا هو ما سأفعله – إن شاء الله – وأنا أحاول قراءة النص القرآني، وذلك من خلال محاولة الكشف عما إذا كان هناك علاقة بين هذه الأحكام التجويدية والمعنى العام في النص.
والأمر هنا من الوعورة والمشقّة بمكان، غير أننا إن أطلنا النظر ولاطفناه، وتركنا الضجر وتحاميناه، لم نكد نعدم قرب بعض من بعض.
وقد تأمّلت فيه مليّاً، وأخذت نفسي بتسجيل ما يخطر لي منه، ثم هممت أن أتركه، خوفاً من أن أقول في القرآن ما ليس فيه، إذ لم أجد معيناً فيه من قول أستند عليه، إلا أن الله قوّى النية وشدّ الهمة، ويسّر الأمر.
وأزعم أن هذا بحث قد يكون جديداً في موضوعه، أو أصيلاً في نتائجه ولا أدعي ذلك كوني صاحب هذا البحث، أو كاتب فصوله المتواضعة، ولمن طرافة موضوعه، وجدّة مباحثه ساقت لمثل هذا الادعاء، وهذه إشارات وتلويحات، وإنما سينجلي الأمر منها ويبين إذا تكلّم في التفاصيل، وأفرد كل مبحث بالتمثيل.
وهذا ما سنراه بإذن الله الذي إليه الرغبة في أن نوفّق للبلوغ إليه والتوفّر عليه.
أولاً: أحكام النون والميم الساكنتين والتنوين وعلاقتها بالمعنى:
أقدّم بين يدي هذا المبحث تعريفاً بالنون والميم الساكنتين والتنوين وأحاكمهما، كما جاء ذلك في كتب التجويد[6]:
فالنون الساكنة: هي النون التي تكون ساكنة في الوقف والوصل، مثل ( أنْ – أنْتم – منْكم – ينْغضون )
والميم الساكنة: هي الميم التي تكون ساكنة في الوقف والوصل مثل: ( لكمْ – عليكمْ )
والتنوين: هو نون ساكنة تلحق آخر الاسم تلفظ ولا تكتب. ويكون على ثلاثة أشكال: إما ضمتان أو فتحتان أو كسرتان، مثل: ( علمٌ، علماً، علمٍ )
وللنون الساكنة والتنوين عند التقائهما أحد حروف الهجاء أربعة أحكام هي:
1- الإظهار:
ومعناه لغة: البيان والوضوح.
واصطلاحاً: هو إخراج الحرف من مخرجه من غير غنّة في الحرف المظهر.
وحروفه ستّة مجموعة في أول حرف من كلمات: أخي هاك علماً حازه غير خاسر، وهي: الهمزة والهاء والعين والحاء والغين والخاء.
2- الإدغام:
معناه في اللغة: إدخال الشيء في الشيء
وفي الاصطلاح: التقاء حرف ساكن بحرف متحرك حتى يصير الحرفان حرفاً واحداً مشدّداً من جنس الثاني.
وحروفه ستة مجموعة في قولك: يرملون.
3- الإخفاء:
معناه في اللغة الستر
وفي الاصطلاح: هو النطق بالحرف على حالة متوسّطة ما بين الإظهار والإدغام خالياً من التشديد مع مراعاة الغنة في الحرف الأول.
وحروفه خمسة عشر حرفاً، مجموعة في أول حروف كلمات بيت الشعر:
صف ذا ثنا كم جاد شخص قد سما دم طيباً زد في تقى ضع ظالماً
4- الإقلاب:
معناه في اللغة: تحويل الشيء عن وجهه.
وفي الاصطلاح: قلب النون الساكنة أو التنوين ميماً مصحوبة بغنّة عند الباء، وحرفه واحد هو الباء.
أما الميم الساكنة فلها عند التقائها بحروف الهجاء، ثلاثة أحكام:
1- الإظهار الشفوي:
ويكون مع جميع حروف الهجاء عدا الميم والباء، لكنه يكون أشد إظهاراً عند الواو والفاء، وذلك خشية الالتباس، أو سقوط حرف منها، لأنها من مخرج واحد هو الشفتان.
2- الإدغام الشفوي:
ويطلق عليه إدغام متماثل بغنّة، وهو إذا جاءت الميم الساكنة وبعدها ميم أخرى متحرّكة، فعند ذلك يكون الإدغام بين الميم الأولى والثانية.
3- الإخفاء الشفوي:
ويكون الإخفاء عند حرف الباء فقط، ويكون مع غنّة.
إذاً هذا أمر قدّمناه ليُرى منه الأحكام والقواعد التي ننطلق منها لمعرفة وجه العلاقة بين هذه الأحكام من جهة والمعنى من جهة أخرى وهذا أوانه إن شاء الله.
علاقة الإظهار بالمعنى:
لبيان علاقة الإظهار – الذي يعني البيان والوضوح – بالمعنى، سنحتاج لسرد الآيات التي ورد فيها حكم الإظهار، ثم ننظر في معنى هذه الآية معتمدين في ذلك على كتب التفاسير – في حال توافر دلالة تشير إلى ذلك – أو الفهم العام لمعنى الآية بما لا يمثل ليّاً لعنق الآية، أو تعسّفاً في التأويل، أو تقوّلاً على القرآن بما ليس فيه، فإننا نعوذ بالله أن نقول في القرآن ما ليس فيه، بل نجتهد في إبراز سر من أسراره الدائمة والمستمرّة إلى أن يرث الله الأرض وما عليها، فإن أسراره ومعجزاته ما تزال تتكشف لنا يوماً بعد يوم.
آيات الإظهار:
1- قال الله تعالى حاكياً ما قاله رسله لأقوامهم كل على حده: { يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره }[7]
لاحظ الإظهار في موضعين:
أ- نون ساكنة بعدها همز في: منْ إله
ب-تنوين بعده غين في: إلهٍ غيره
معنى الآية ( ما لكم من إله غيره ) أي ليس لكم رب سواه [8]
والجملة بيان للعبادة التي أمرهم بها، أي أفردوه بالعبادة دون غيره، إذ ليس غيره لكم بإله[9].
ألا ترى أن معنى الآية واضح كل الوضوح، بيّن كل البيان، شواهده أكثر من أن تعدّ وتحصى، فكل ما في الكون يدلّ بجلاء على أنه ليس لنا من إله غيره سبحانه.
فإن له في كل شيء آية تدلّ على أنه واحد
{ ولو كان فيهما آلهة إلّا الله لفسدتا } فظهور المعنى تناسب مع الإظهار كما ترى.
2- ومنها قول الله سبحانه على لسان نوح عليه السلام لقومه: { إنّي أخاف عليكم عذاب يوم عظيم }[10]
الإظهار في موضعين:
أ- ميم ساكنة بعدها عين في عليكمْ عذاب
ب-تنوين بعده عين في يومٍ عظيم
معنى الآية إعلان نوح عليه السلام لقومه أنه يخاف عليهم عذاب يوم القيامة، أو يوم الطوفان كما ذكر المفسّرون[11].
وهذا الأمر واضح ظاهر، فلأنه يخاف عليهم عذاب يوم عظيم فقد قام بإنذارهم وتبليغهم، ثم الأمر واضح وظاهر أيضاً أنه كان يوماً عظيماً هو يوم الطوفان، فإن كان المقصود يوم القيامة فعظم ذلك اليوم أشد وضوحاً.
ونحو ذلك قول هود عليه السلام لقومه: { إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم }[12]
ومثله قول نوح عليه السلام: { إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم }[13]
وكذا قول صالح عليه السلام: { فيأخذكم عذاب أليم }[14]
وقوله عليه السلام في الشعراء: { فيأخذكم عذاب يوم عظيم }[15]
فكل ما سبق ورد فيه إظهارات، والمعنى ظاهر بيّن ما ترى.
يقول الزمخشري: ( وصف اليوم بأليم من الإسناد المجازي لوقوع الألم فيه، فإن قلت: فإذا وصف به العذاب ؟ قلت: مجازي مثله لأن الأليم في الحقيقة هو المعذب )[16]
ويقول ابن عاشور: ( وصف اليوم بالأليم مجاز عقلي، وهو أبلغ من أن يوصف العذاب بالأليم، لأن شدة العذاب لما بلغت الغاية جعل زمانه أليماً أي مؤلماً ) [17]
ألا ترى أنه جاء بوصف أليم لزيادة إيضاح شدة الألم، فالأصل أن يكون السياق ( يوم مؤلم ) لكن هذا التناسب العجيب بحاجة إلى فضل تأمل.
ومن شواهد العلاقة:
3- ومنها قوله تعالى: { وسع ربنا كل شيء علماً } [18]
الإظهار في تنوين بعده عين في ( شيءٍ علماً )
قال الزمخشري: ( أي هو عالم بكل شيء مما كان وما يكون ) [19]
وقال الشوكاني: ( أي أحاط علمه بكل المعلومات فلا يخرج عنه منها شيء )[20]
فمعنى إحاطة الله بكل شيء علماً ظاهر، وسعة علم الله واضحة بيّنة لكل من تأمل ذلك.
ثم ألا ترى تضافر القرائن المتعددة لإظهار هذا المعنى وزيادة بيانه. يقول ابن عاشور: ( وإعادة وصف الربوبية إظهار في مقام الإضمار لزيادة إظهار وصفه بالربوبية )[21]
فإظهار وصف الربوبية في مقام حقّه الإضمار، ثم استخدام لفظ ( وسع ) الذي يفيد الإحاطة بكل شي، ثم تنكير لفظ ( شيء ) ليفيد العموم. هذه لطائف متعددة بسط الحديث عنها في بابه إن شاء الله، لكن تضافرها مع الإظهار لجعل الأمر ظاهراً للعيان مما لا شك فيه، فالإظهار ناسب ظهور المعنى، ومثلها آية سورة الأنعام.
4- ومنها قوله سبحانه وتعالى على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام: { ويا قوم لا أسألكم عليه مالاً إن أجري إلا على الله }[22]. ونظيره قول بقية الأنبياء لأقوامهم [23].
والإظهار في:
أ- ميم ساكنة بعدها عين في أسألكمْ عليه
ب-تنوين بعده همز في مالاً إن
ت-نون ساكنة بعدها همز في إنْ أجري
وهنا نلحظ تضافر الإظهار بأنواعه الثلاث: الميم الساكنة والتنوين والنون الساكنة، في هذه الآية الظاهر معناها ظهور الشمس في رابعة النهار. فالأنبياء جميعاً يظهرون ويوضّحون ويبيّنون لأقوامهم أنهم صادقون فيما يدعونهم إليه، وأنهم لا يبغون من وراء دعوتهم نفعاً قريباً أو مصلحة دنيوية، ولذلك جاؤوا بدليل ظاهر على ذلك، هو أنهم لا يسألون على دعوتهم هذه أجراً، وإنما ينتظرون الأجر والمثوبة من الله عز وجل. فالمعنى ظاهر جاء الإظهار بأنواعه الثلاثة ليظهره من جميع جوانبه فلا تبقى هناك أي مسألة خفيّة، أو تداخل في المفاهيم. والله أعلى وأعلم.
5- ومنها كذلك قول الحق سبحانه: { ما من دابّة إلّا هو آخذ بناصيتها }[24]
الإظهار عند التنوين بعده همز في دابةٍ إلا.
والمعنى هو بيان أن الله هو المالك القاهر لجميع ما يدبّ في الأرض، فكونه مالكاً للكل يقتضي أن لا يفوته أحد منهم، وكونه قاهراً لهم يقتضي أن يعجزه أحد منهم، فما من دابّة إلا هو متصرّف فيها وهو مالكها وقاهرها فلا نفع ولا ضرر إلا بإذنه.[25]
6- ومنها قوله سبحانه: { ويستخلف ربي قوماً غيركم ولا تضرّونه شيئاً }[26]
الإظهار في:
أ- تنوين بعده غين في ( قوماً غيركم )
ب-أشد إظهاراً عند الميم الساكنة بعدها واو ( غيركم ولا تضرّونه )
والمعنى الذي يريد هود عليه السلام إيصاله لقومه هو أنكم إن تولّيتم فإن ربي سوف يستخلف قوماً غيركم وأنتم مع ذلك لا تضرّونه في شيء مهما صغر هذا الشيء.
وهذه مسألة واضحة فهم يعلمون ما حصل لقوم نوح، وأن الله استخلفهم في الأرض من بعدهم.
ثم إن المخاطبين بهذا القرآن – ونحن منهم – نعلم أن القوم الذين يتولّون يستبدل الله قوماً غيرهم ثم لا يكونوا أمثالهم.
أما المسألة الأشد ظهوراً والتي تتناسب مع الإظهار الأشد فهي أن هؤلاء القوم ومن بعدهم ومن في الكون جميعاً لا يملكون ضر الله عز وجل ولا منفعته [27]. وهذا بيّن واضح.
7- ومن الشواهد أيضاً قوله سبحانه وتعالى: { يا قوم أرأيتم إن كنت على بيّنة من ربي ورزقني منه رزقاً حسناً وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت }[28]
الإظهار في هذه الآية في غير ما موضع:
أ- نون ساكنة بعدها هاء في: منْه
ب-تنوين بعده حاء في: رزقاً حسناً
ت-نون ساكنة بعدها همز في: أنْ أخالفكم
ث-ميم ساكنة بعده همز في: أخالفكمْ إلى
ج- نون ساكنة بعدها هاء في: أنْهاكم
ح- ميم ساكنة بعدها عين في: أنهاكمْ عنه
خ- نون ساكنة بعدها هاء في: عنْه
د- نون ساكنة بعدها همز في: إنْ أريد
إظهارات متوالية لمعانٍ ظاهراتٍ. فالرزق من الله ليس من غيره، وهو حسن فالنبوة بلا شك رزق حسن، وواضح أن شعيباً لا يريد أن يخالف قومه في الأشياء التي نهاهم عنها، وما نهاهم عنه أشياء ظاهرة للعيان من بخس وتطفيف، فالظاهر أنه يردي الإصلاح قدر استطاعته. إنها معان ظاهرة جليّة تناسب معها هذه الإظهارات كما ترى.
فدلّ هذا وغيره مما يطول تعداده على أن هنالك علاقة بين الإظهار بوصفه حكماً تجويدياً من جهة، والمعنى العام للآية من جهة أخرى.
والموضوع مما يسترسل فيه، ولكن الباب واحد والمسائل كثيرة، ولو التزمت الاستكثار لطال المبحث، والإيجاز أولى وأجدر.
علاقة الإدغام بالمعنى:
نذكر بدءاً بأن معنى الإدغام هو: إدخال الشيء في الشيء.
وآيات الإدغام هي:
1- قول قوم نوح لنوح عليه السلام: { إنا لنراك في ضلال مبين }[29]
الإدغام في موضع واحد: التنوين بعده ميم في ضلالٍ مبين.
ومعنى الآية: أنهم أدخلوا نوحاً عليه السلام في الضلال، وأن هذا الضلال متمكّن منه، وزاد حرف ( في ) الذي يفيد الظرفية المعنى إحاطة. يقول ابن عاشور: ( وظرفية [ في ضلال ] مجازية تعبيراً عن تمكّن وصف الضلال منه حتى كأنّه محيط به من جوانبه إحاطة الظرف بالمظروف ) [30]
فإدخال نوح في الضلال كإدخال الظرف في المظروف، وهل الإدغام إلا إدخال الشيء في الشيء.
2- قول نوح عليه السلام راداً على قومه: { يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين }[31]
الإدغام في:
أ- تنوين بعده واو في: ضلالةٌ ولكنّي
ب-تنوين بعده ميم في: رسولٌ من
ت-نون ساكنة بعدها راء في: منْ رب
معنى الآية: نفى عن نفسه الضلالة وإثبات أنه رسول من رب العالمين، فهل هناك علاقة للإدغام ؟
يقول النسفي: ( الاستدراك لتأكيد نفي الضلالة لأن كونه رسولاً من الله مبلّغاً لرسالاته في معنى كونه على الصراط المستقيم، فكان الغاية القصوى من الهدى )[32]
ألا ترى تداخل معنى الجملتين مع بعضهما لإفادة أنه رسول م الله، فكونه ليس به ضلالة فهو إذاً رسول، وكونه رسول إذاً ليس به ضلال، فهذا تداخل في المعنى أحسبه يتناسب مع الإدغام الأول.
أما الإدغامان الآخران في ( رسولٌ من رب العالمين ) فيقول ابن عاشور: ( واختيار طريق الإضافة في تعريف المرسل، لما تؤذن به من تفخيم المضاف ومن وجوب طاعته على جميع الناس تعريضاً بقومه إذا عصوه )[33]
فهذا الإدغام أدخل طاعة الرسول في طاعة الله، لأن من أطاع الرسول فقد أطاع الله، ومن يعص الرسول فقد عصى الله.
ومثلها قول هود عليه السلام في الرد على قومه: { يا قوم ليس به سفاهة ولكني رسول من رب العالمين }[34]
هذه الإدغامات المتتالية تدخل أجزاء الآية في بعضها بعضاً، لتحدث نوعاً من تداخل المعنى، وكأن المعنى ليس به سفاهة لأني رسول، ولأني رسول فأنا مرسل من رب العالمين، أو أنا مرسل من رب العالمين فأنا رسوله هو، ولأني رسوله فأنا على هدى، ولأني على هدى فليس بي ضلالة.
3- ومثلها قول نوح عليه السلام لقومه: { أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم }[35]
الإدغام في مواضع ثلاثة:
أ- تنوين بعده ميم في ( ذكرٌ من )
ب- نون ساكنة بعدها راء في ( منْ ربكم )
ت- تنوين بعده ميمي في ( رجلٍ منكم )
إن إضافة الذكر إلى الله سبحانه وتعالى يحدث نوعاً من الترابط بين الذكر والرب، فهو ذكر موصول بالله وليس من أحد غيره. فهناك علاقة تداخل واتصال كتداخل الكلمات مع بعضها البعض.
وعلى رجل منكم أي من جنسكم فهو واحد منكم داخل في جنسكم فأدخل نفسه معهم فهو ليس بغريب عنهم ولا خافٍ حاله عليهم، ونظيرتها ما ورد عن هود عليه السلام [36].
4- ونظير ذلك أيضاً قول نوح عليه السلام: { أرأيتم إن كنت على بيّنة من ربّي }[37]. وقول صالح عليه السلام [38] وقول شعيب عليه السلام [39].
فالإدغام في:
أ- تنوين بعده ميم في: بيّنةٍ من
ب-نون ساكنة بعدها راء في: منْ ربي
والمعنى فيهنّ هو المعنى في ( ذكر من ربكم ) فالبيّنة مرتبطة بالله سبحانه وتعالى.
ونظيرها قول صالح عليه السلام، وقول شعيب عليه السلام في سورة الأعراف { قد جاءتكم بيّنة من ربكم } { بينة من ربي } { رسول من رب العالمين }
5- ومنها قول قوم هود لهود عليه السلام: { إنّا لنراك في سفاهة وإنّا لنظنّك من الكاذبين }[40]
الإدغام في التنوين بعده واو في ( سفاهةٍ وإنا ). ألا ترى أنهم عطفوا الجملة الثانية على الأولى فأدخلوها في حكمها، وجعلوا ظنهم في أنه من الكاذبين متداخل مع رؤيتهم القلبية أنه في سفاهة، إنه تداخل فيما بين معنى الآيتين، فتأمّل ذلك.
6- وفي قول هود عليه السلام: { واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق }[41]
الإدغام هنا تنوين بعده واو في ( نوحٍ وزادكم ).
إن نعم الله على قوم عاد كثيرة، فأراد هود عليه السلام أن يذكّرهم بهذه النعم المتداخلة والمترابطة، فالله عز وجل جعلهم خلفاء من بعد قوم نوح، وزادهم في الخلق بصطة، فهي نعم متداخلة مترابطة، فكان هذا التداخل متناسباً مع الإدغام الموجود في الآية.
7- ومن ذلك قول هود عليه السلام لقومه: { قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب } [42]
الإدغام هنا في ثلاثة مواضع:
أ- ميم ساكنة بعدها ميم فهو إدغام متماثل في ( عليكمْ من )
ب-نون ساكنة بعدها راء في ( منْ ربكم )
ت-تنوين بعده واو في ( رجسٌ وغضب )
يقول الأشقر: ( أي قد استحققتم عذاب الله وغضبه فهو واقع بكم لا محالة، جعل ما هو متوقّع كالواقع )[43]
أي أن الرجس والغضب قد حصل عليهم، فأصبحوا داخلين في غضب الله وعذابه، وأن هذا الغضب والعذاب قد وقع بهم وأحاطهم من كل جانب، فهم غير منفكّين منه ولا مفلتين.
8- ومنها قوله سبحانه وتعالى: { يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوة إلى قوتكم }[44]
الإدغام في موضعين:
أ- ميم ساكنة بعدها ميم في ( عليكمْ مدراراً )
ب-تنوين بعده واو في ( مدراراً ويزدكم )
إن نعم الله كثيرة وهي مترابطة متداخلة مع بعضها، فإرسال السماء بالمطر الكثير المدرار يؤدي إلى زيادة خصوبة الأرض المؤدي إلى زيادة النعم، فهو تداخل عجيب لمن تأمّله.
هذا وإن استقصاء القول في هذا الضرب والبحث عن أسراره صعب وعر، ولذلك فإني أقتصر على القدر المذكور.
علاقة الإخفاء بالمعنى:
من المناسب أن نذكر بأن معنى الإخفاء هو الستر.
آيات الإخفاء:
1- قوله سبحانه وتعالى: { أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم }[45]
الإخفاء في ثلاثة مواضع:
أ- نون ساكنة بعدها جيم في ( أنْ جاءكم )
ب-نون ساكنة بعدها كاف في ( منْكم )
ت-نون ساكنة بعدها ذال في ( لينْذركم )
معنى الآية: يذكر نوح عليه السلام الأمور التي يتعجّب منها قومه وينكرونها، وهي مجيء ذكر من الله، ثم أن يأتي هذا الذكر على رجل منهم، ثم إنذار هذا الرجل لهم.
يقول الفخر الرازي: ( أنهم استبعدوا أن يكون لله رسول إلى خلقه، لأجل أنهم اعتقدوا أن المقصود من الإرسال هو التكليف، والتكليف لا منفعة فيه للمعبود كونه متعالياً على النفع والضر، ولا منفعة فيه للعابد.
ثم وإن جوّزوا التكليف إلا أنهم قالوا: ما علم حسنه بالعقل فعلناه وما علم قبحه تركناه، ولما كان رسول العقل كافياً فلا حاجة إلى بعثة رسول آخر. ثم إذا كان لابد من الرسول فإن إرسال الملائكة أولى، لأن مهابتهم أشد وطهارتهم أكمل، فهذه الوجوه التي لأجلها أنكر الكفار رسالة رجل معين )[46]
ألا ترى أن الإخفاء جاء في المعاني التي خفت على القوم، فعلى مجيء الذكر من الله خافية عليهم، ثم علّة أن يأتي هذا الذكر على رجل منهم خافية عليهم أيضاً، ثم علّة إنذارهم لهم خافية عنهم كذلك فتأمّل ذلك تجده كما ذكرت.
ومثلها قول هود عليه السلام لقومه [47].
2- قوله سبحانه وتعالى: { أتجادلونني في أسماء سمّيتموها أنتم وآباؤكم }[48]
الإخفاء هنا في:
أ- تنوين بعده سين في ( أسماءٍ سميتموها )
ب-نون ساكنة بعدها تاء في ( أنْتم )
إن من يعبد أصناماً من دون الله يعد كافراً، والكفر: التغطية والستر. قال ابن منظور: ( كفر الشيء: غطاه وستره )[49]
فكأنّ عبادة هذه الأصنام ( غطّت على القلب بزيادة الكفر )[50] فأخفته وسترته.
أخفاه وستره عن رؤية الحقيقة وهي بطلان عبادته وخفاء مشروعيّتها، فالخفاء ناسب الإخفاء.
3- ومنها قوله تعالى على لسان شعيب عليه السلام: { وما قوم لوطٍ منكم ببعيد }[51]
الإخفاء في موضعين:
أ- نون ساكنة بعدها كاف في ( منْكم )
ب-ميم ساكنة بعدها باء في ( منكم ببعيد )
يقول المفسّرون في معنى الآية: إن شعيباً عليه السلام أراد تذكير قومه بما حدث لقوم لوط الذين كانوا قريبين منهم، لكنه لم يحدد وجه القرب،هل هو قرب مكاني أو زماني أو عملي [52]
أي أن وجه التقارب خفي، فلا ندري هل القرب مقصود هو قرب مكانهم منهم، أو قرب زمانهم، أو قرب أعمالهم من بعضهم من حيث كفرهم بالله والتعدي على حقوق الناس وأعراضهم.
ثم لعلّ هنالك معنىً آخر في من خلال النظر في الآية حيث نجد أن شعيباً عليه السلام ذكر قوم نوح وقوم هود وقوم صالح في قوله: { ويا قوم لا يجرمنّكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح }[53]
وهنا مواطن إظهار في جميعها، فلما وصل إلى قوم لوط جاء الإخفاء { وما قوم لوط منكم ببعيد }
وعلّة ذلك – فيما أعتقد – هو ظهور آثار ما حل بقوم نوح وقوم هود وقوم صالح، بينما اختفت آثار قوم لوط، لأننا نعلم أن الله جعل عليهم الأرض عاليها سافلها، أي أخفاهم وأخفى آثارهم من على وجه الأرض، والله أعلم.
4- قوله سبحانه وتعالى: { واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثّركم }[54]
الإخفاء في التنوين بعد فاء في ( قليلاً فكثركم )
أي قلّة يقصد ؟ هل قلّة العدد ؟ أم قلّة المال ؟ أم قلة النسل ؟
قيل: ( قليلاً عددكم )[55]. وقيل: ( كنتم فقراء فأغناكم )[56]، وقيل: ( تيسير قوّة التناسل ). إذاً نوع القلّة خافية هنا.
ثم إنّ القلّة في العدد أو المال تجعل الإنسان يتخفّى من الظهور، أو أنه يكون خافياً عن الأنظار لا يؤبه له، أما كثير المال كثير العدد فإنه لا يكون خافياً بل ظاهراً معروفاً.
5- وقوله تعالى على لسان هود عليه السلام لقومه: { أتبنون بكل ريع آية تعبثون }[57]
الإخفاء في التنوين بعده تاء في ( آيةٍ تعبثون ).
لقد كان قوم هود عليه السلام يبنون في كل مكان مرتفع علماً، لا لغرض السكنى ولا لغرض الاستهداء به، وإنما عبثاً منهم يبنونها.
فعلّة بناء هذه الآيات والعلامات المرتفعة خافية، والغرض منها غير معروف.
هذه شواهد جمعناها لنبرهن على أن هناك علاقة بين الإخفاء بوصفه حكماً تجويدياً يختصّ بأصوات القرآن، وبين المعنى العام للآية. إلا أن الأمر لايزال خاضعاً للبحث والدراسة والتأمل.
علاقة الإقلاب بالمعنى:
نجد أنه من اللطيف قبل عرض آيات الإقلاب التذكير بأن معنى الإقلاب هو تحويل الشيء عن وجهه.
آيات الإقلاب:
1- قوله سبحانه وتعالى: { واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح... }[58]
الإقلاب في موضع النون الساكنة بعدها باء في ( منْ بعد )
معنى الآية: قال الزمخشري: ( أي خلفتموهم في الأرض أو جعلكم ملوكاً في الأرض قد استخلفكم فيها بعدهم )[59]
ويقول ابن عاشور: ( الخلفاء جمع خليفة وهو الذي يخلف غيره في شيء، أي يتولّى عمل ما كان يعمله الآخر. وعلم أن المقصود أنهم خلفاء قوم نوح )[60].
ألا ترى معي أن ورقة قوم نوح قد طُويت وقلبت وتحول القوم عما كانوا فيه، وجاء بعدهم قوم هودٍ عليه السلام ليعمروا الأرض من خلفهم.
فأعتقد أن هذا الإقلاب الذي في الآية يناسب الإقلاب الذي حدث لقوم نوح.
2- نظيرتها قوله تعالى: { واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم عاد }[61]
فالإقلاب في موضع النون الساكنة بعدها باء في ( من بعد )
ومعنى الآية هنا هو معنى الآية هناك، والقول فيها هو هو.
3- ومن الشواهد قوله تعالى: { وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنّكم كاذبين }[62]
الإقلاب في التنوين بعده باء في ( فضلٍ بل )
لقد قالوا له إنك بشر مثلها وأتبعك أراذلنا وليس لكم فضل، كل ذلك ليطعنوا في رسالته وفي صدق ما يدعيه، ثم أضربوا عن ذلك، وحولوا الأمر عن حقيقته، وانتقلوا إلى ظنهم المجرد عن الحقيقة باتهامه بالكذب هو وأتباعه.
إنه تحويلٌ للكلام عن وجهه، وهو قلبٌ للحقائق وتحويل الصادق إلى كاذب.
قال الشوكاني: ( خاطبوه منفرداً ثم خاطبوه مع متبعيه، أي ما نرى لك ولمن اتبعك من الأراذل علينا من فضل تتميزون به وتستحقون ما تدّعونه، ثم أضربوا عن الثلاثة مطاعن، وانتقلوا إلى ظنهم المجرّد عن البرهان الذي لا مستند له إلا مجرّد العصبية والحسد واستبقاء ما هم فيه من الرياسة الدنيوية )[63]
4- وقول قوم نوح لنوح عليه السلام: { إن هو إلّا رجلٌ به جِنّة }[64]
الإقلاب في التنوين بعده باء في: ( رجلٌ به )
والمعنى اتهام القوم لنوحٍ عليه السلام بالجنون، لأنهم يرون منه ويسمعون ما يظنونه خارج نطاق العقل، فهو يحول الأمور عما هي عليه ولا يدري ما يقول [65].
ثم إن هذا قلب واضح لحقيقة نوح عليه السلام، إني نبي مرسل من الله، لكنهم قلبوا هذه الحقيقة وحوّلوا الأمر عن وجهه واتّهموه بالجنون.
5- أما قوله سبحانه وتعالى: { ما من دابّة إلا هو آخذ بناصيتها }[66]
والناصية هي أعلى شيء ومقدّمته بالنسبة للإنسان، ولذلك تعتبر علامة عزٍّ ورفعة، فعندما يؤخذ بالناصية أصبح الأمر محوّلاً عن وجهه وأصبح ذلك علامة ذلٍّ وخضوع.
قال القرطبي: ( إنما خصّ الناصية لأن العرب تستعمل ذلك إذا وصفت إنساناً بالذلّة والخضوع. فيقولون: ما ناصية فلان إلا بيد فلان، أي أنه مطيع له يصرفه كيف يشاء، وكانوا إذا أسرّوا أسيراً وأرادوا إطلاقه والمنّ عليه جزّوا ناصيته، ليعرف بذلك فخراً عليه )[67]
إذاً الأخذ بالناصية تحويلٌ من عزّة إلى ذل، وهذا هو الإقلاب.
وهكذا نجد هذه الإشارات الدّالّة على الارتباط الوثيق بين الحكم التجويدي والمعنى الوارد في الآية.
ثانياً: علاقة صفات الحروف بالمعنى:
هذا مبحث خاص بعلاقة صفات الحروف المختلفة بالمعنى، وقد سرت في تناوله مستأنساً بأقوال علماء أجلّاء طرقوه على مستوى الكلمة المفردة فقسنا عليها، وطرقنا على مستوى الجملة والعبارة، وإن يك ذلك غامضاً فلنا بقول ابن جني اقتداء حيث يقول: ( إلا أن هذه أغمض من تلك، غير أنها وإن كانت كذلك فإنها منقولة عنها، ومعقودة عليها، ومن وجد مقالاً قال به وإن لم يسبق إليه أحد، فكيف به إذا تبع العلماء فيه، وتلاهم على تمثيل معانيه )[68]
إلا أننا قبل أن نقول مقالنا نورد تعريفاً مختصراً لصفات الحروف، فمن المعلوم بداهة في العربية أن لكل حرف من حروف الهجاء صفات خاصة تميّزه عن غيره من الحروف.
هذه الصفات تم الحديث عنها وإيضاحها في كثير من كتب التجويد والصوتيات واللغة [69]، يمكن إجمالها في الآتي:
1- صفات قوة الحرف:
وهي الصفات التي إن توافرت في الحرف منحته قوة، يقول مكّي بن أبي طالب: ( والشدة من علامات قوة الحرف، فإن كان مع الشدة جهر وإطباق واستعلاء فذلك غاية القوّة في الحرف، لأن كل واحدة من هذه الصفات تدلّ على القوّة في الحرف، فإذا اجتمعت اثنتان من هذه الصفات في الحرف أو أكثر فهي في غاية القوة )[70]
فالصفات التي تمنح الحرف قوة هي:
أ- الشدة:
وحروفها ثمانية يجمعها قولنا ( أجد قط بكت )، وتسمى الحروف الانفجارية[71]، والحرف الشديد هو حرف اشتدّ لزومه لموضعه، وقوي فيه منع الصوت أن يجري معه عند اللفظ به[72]. ولُقّب بالشدة لاشتداد الحرف في موضع خروجه حتى لا يخرج معه صوت [73].
ب- الجهر:
وهو ضدّ الهمس ومعناه: الإعلان وقوة التصويت، أي إظهار الصوت والحرف المهجور: حرف قوي يمنع النفس أن يجري معه عند النطق به لقوّته، وقوّة الاعتماد عليه في موضع خروجه. وإنما لقّب هذا المعنى بالجهر، لأن الجهر: الصوت الشديد القوي، فلما كانت في خروجها كذلك، لقبت به[74].
وحروفه ثمانية عشر حرفاً هي ( الهمزة، والباء، والجيم والدال، والذال، والراء، والزاي، والضاد، والظاء، والطاء، والغين، والعين، واللام، والميم، والنون، والواو، والياء )
ث- الإطباق:
معناه: الالتصاق، وفي الاصطلاح: إلصاق اللسان على ما يحاذيه من الفك الأعلى وانحصار الصوت عند النطق بالحرف، وحروفه أربعة هي: ( الصاد والضاد والطاء والظاء ).
ج- الاستعلاء:
معناه: الارتفاع، وفي الاصطلاح: ارتفاع اللسان عند النطق بالحرف إلى الحنك الأعلى حيث يتضخم الصوت نتجية لارتفاع اللسان. وحروف
| |
|
وليد مسلم مشرف "ة"
تاريخ التسجيل : 04/04/2012 عدد المساهمات : 34
| موضوع: رد: الإعجاز البياني في الصوت القرآني الجزء الأول الثلاثاء أبريل 24, 2012 3:32 pm | |
| | |
|
كل الدنيا الإدارة العامة
العمر : 48 تاريخ التسجيل : 08/07/2011 عدد المساهمات : 1072
| موضوع: رد: الإعجاز البياني في الصوت القرآني الجزء الأول الخميس أبريل 26, 2012 11:18 am | |
| بارك الله فيك على الموضوع شوقتني اتعلم هذا العلم الساحر بوركت اخونا طارق | |
|