جمال سمك
قال الشيخ جمال سمك، القيادى بالجماعة الإسلامية، والأمين العام
المساعد لحزب البناء والتنمية، إن قرض صندوق النقد الدولى ربوى بلا شك،
ولكن الضرورة ألجأت الرئيس إليه، كمن أقبل على الأكل من الميتة مضطراً، ما
يحول الحرام إلى حلال مباح، حسب الحاجة، وأكد سمك فى حواره مع «الوطن» أن
الرئيس ومستشاريه يتحملون مسئوليه القرض، وأنهم يقدرون الضرورة فيه، قائلا:
إن أخطأ «مرسى» فى تقدير الأمر، فإن القرض لا يستدعى الخروج عليه لأن ذلك
لا يكون إلا فى المصائب الكبرى التى من شأنها هلاك الأمة.
* كيف ترى توجه الحكومة إلى صندوق النقد الدولى للحصول على قرض بفائدة 1.1%؟
- المبدأ العام أننا فى الجماعة الإسلامية، وحزب البناء والتنمية،
نثق فى الرئيس محمد مرسى، وطاقم المستشارين معه، وفى أنهم يدرسون الأمر
بدقة واستفاضة، والاتجاه لمثل هذا القرض وقبوله يجب أن يكون كقبول المضطر،
أو قبول أكل الميتة، وهذا يحتاج منا أن نستنفد جميع الوسائل ونطرق كل السبل
الداخلية، قبل اللجوء للقرض، كما علينا أن نراجع شروطه جيداً حتى لا تكون
مجحفة، أو تحمل شيئاً من المذلة، أو تنتقص من سيادة الدولة، أو تعطى
الآخرين حق التدخل فى شئوننا وسياساتنا، أو يحدد لنا أوجه إنفاق القرض، على
ألا نعاود الاقتراض مرة أخرى، وأن نسعى لتنمية الاقتصاد.
* برأيك. هل استنفدت الحكومة الحلول البديلة لتجنب الاقتراض؟
- الحكومة لجأت وستلجأ للجبهة الداخلية، لتوفير مبلغ القرض أو أى
مبلغ تحتاجه الحكومة من أجل عمليات التنمية، ولكن النتيجة المتوقعة على قدر
المطلوب، وبناء عليه نبدأ بحث إجراءات القرض، بالتوازى مع البحث عن موارد
ومصادر تمويل داخلية.
* وهل ترى أن هناك موارد داخلية يمكنها أن تعوض القرض؟
- أعتقد أن الموارد الموجودة لا تكفى، لكن لا أقول إنه لا يوجد
موارد بالمرة، ونحن فى احتياج لسنوات قليلة حتى يزدهر الاقتصاد المصرى فى
ظل سياسة تجفيف منابع الفساد المستشرى فى هيكل الدولة، وفى ظل إدارة البلاد
الحريصة على التنمية، ورفعة الدولة وازدهارها ونهضتها، وفى خلال سنوات
ستظهر هذه الآثار جيداً على الاقتصاد المصرى، وبعد قرارات الرئيس عادت
الكثير من المصانع للعمل وبعض المستثمرين عادوا للاستثمار وهو ما نرى آثاره
الإيجابية على البورصة، وصعودها وتحقيقها ربحا بلغ نحو 4.6 مليار الأسبوع
الماضى فقط. ومن الإحصائيات التى تؤكد نمو الاقتصاد أنه تم تركيب 3 ملايين
تكييف جديد، معظمها فى المساجد، أضف إلى ذلك أن المصانع التى توقفت بعد
الثورة عادت للعمل مرة أخرى.
لدينا أمل كبير فى توفير مصادر تمويل داخلية ولكنها غير كافية هذه
الفترة للمرور من عنق الزجاج، وأتوقع فى الفترة المقبلة نموا وطفرة فى
الاقتصاد، لكن على الناس أن يساعدوا الرئيس، بدلا من الاكتفاء بنقده.
* هل تعتقد أن قرض صندوق النقد ربوى؟ وما حكم الشرع فيه؟
- الأصل أن القرض ربوى مادامت فيه فائدة، ولكن فى حالة الضرورة مثل
أكل المضطر للحم الميتة، فالأمر جائز، ويصبح الحرام حلالا بشروط ألا يزيد
على الحاجة المطلوب إليها، وأن يكون اللجوء إليه فى الضرورة وبعد استنفاد
كل وسائل الحلال، والبحث الجاد عنها، وإذا لم يجد طريقاً غير هذا، يجوز له
أخذه مضطراً.
* هل تعيش مصر حالة ضرورة؟ وهل الشروط التى ذكرتها متوافرة فى قرض الصندوق؟
- أعتقد أننا فى حالة ضرورة، ومن يقدرها هو المسئول الشرعى فى
البلاد، أى الرئيس، ومعه مستشاروه الشرعيون والسياسيون والاقتصاديون، ويجب
أن يتأكدوا أن أزمتنا المالية لا يمكن حلها إلا من خلال هذا القرض، عندها
يكون الرئيس مضطراً، ويتحمل مسئوليته أمام الله، وفى رأيى الشخصى أننا فى
حالة ضرورة، ويجوز للرئيس الحصول على هذا القرض، بشرط أن نكون على اطلاع
بالشروط الملحقة به.
* ولكن إذا لم تتوافر فى القرض الشروط التى تجعله حلالا، وكانت فيه معصية هل يتحمل المصريون هذا الذنب؟
- ولى الأمر فقط من يتحمل ذنب القرض، إذا قصر فى بحث ودراسة البدائل
أو تقاعس عن الحلال، ولجأ للحرام، فالوزر يقع عليه هو، كالأب الذى أطعم
أولاده حراماً، يتحمل الوزر كاملا دون أبنائه. ولكن هذا لا يعفينا من دورنا
فى النصح والتوجيه والمراقبة، وأن نتابع على المستوى العام، ونوجه النصح
فيما نرى أنه خطأ أو حرام، وهناك صحابى نصح الرسول فى غزوة بدر حول موقع
جيش المسلمين وأخذ الرسول برأيه، فإذا كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- قبل
النصح ألا يقبله «مرسى».
* الرئيس قال «أطيعونى ما أطعت الله فيكم» فهل خالف طاعة الله بهذا القرض؟
- لم يخالف الرئيس طاعة الله بقبول القرض، وهو يتقى الله ويعرف حقوق
الله عليه، كما يعرف الحلال والحرام، والضرورة ليست حراما، وتقدر بقدرها،
ويتحملها من يقدرها ومعه مستشاروه الشرعيون والسياسيون والاقتصاديون، فإذا
وجدوا أن هناك ضرورة ملحة يصبح الحرام حلالا ومباحاً بقدر الحاجة مثل من
يأكل من الميتة مضطراً لسد الرمق، لكن عليه ألا يزيد وألا يستمتع بأكلها،
وأعتقد أن قرض صندوق النقد الدولى سيكون الأول والأخير للنظام الجديد لأن
الازدهار الاقتصادى مقبل بلا شك. كما أن للقرض فوائد أخرى، منها أن موافقة
الصندوق فى حد ذاتها تؤكد أن لدينا أصولا، وإمكانيات تمكننا من السداد
وتجاوز الأزمة الاقتصادية، وهو أيضاً شهادة من المجتمع الدولى أن مصر تمر
بتحول ديمقراطى، وهم يرغبون فى مساعدتنا فيه، والمستثمرون حينما يعلمون أن
الصندوق وافق على القرض، فإنهم يطمئنون على استثماراتهم فى مصر، وأتوقع أن
يكون هناك إقبال كبير من المستثمرين من مختلف الدول على مصر فى الفترة
المقبلة.
* إذا خالف القرض الشريعة، هل يعتبر هذا حلا لبيعة «مرسى»؟
- لا يعتبر حلا للبيعة، والرئيس لم يأت ببيعة إنما أتى بعقد اجتماعى
عن طريق انتخابات ديمقراطية، وهو عقد اجتماعى ونحن قبلناه، لأنه لا يخالف
الشرع، والعقد الاجتماعى أول من قام به المسلمون، وأخذه الغرب، ثم أخذناه
منهم بعد ذلك. والعقد الاجتماعى بين الولى والرعية ليس بيعة، لأن البيعة
تكون فى الخلافة العظمى من كل بلاد المسلمين للخليفة، وهو زعيم دينى
وسياسى، وهذه الصورة غير موجودة اليوم، فى ظل عدم وجود اتحاد بين الأقطار
الإسلامية. وفى وضعنا الحالى لا توجد بيعة للرئيس، وما بيننا وبين «مرسى»
هو عقد اجتماعى، يمنع الخروج على الحاكم إن لم يخطئ ويلزم أدبياً
وقانونياً، ويمنع ارتكاب أعمال تخريب، ومحاولات لإسقاطه، أو ما شابه.
* وما شروط الخروج على الحاكم؟
- أن يكون الخروج سلميا، وأن يجتمع كل الناس عليه، بحيث لا يكون
خروجاً لشخص أو أشخاص منفردين، ويكون فى حالة إذا خرج الحاكم عن الجادة، أو
إذا أفسد الحياة، وجمع حوله مجموعة من المنتفعين الذين يفسدون فى الأرض،
فلا مشكلة فى أن يثور عليه الناس، وهذا الأمر فى العقد الاجتماعى وليس فى
الخلافة التى هى أصلا غير متحققة.
وإن كان هناك وجهات نظر مختلفة أو معارضة للرئيس فلا بأس من التصريح
بها من خلال الوسائل المتاحة والشرعية. كما أنه إذا أخفق الرئيس وفشل،
وفرح أحد فيه فإنه مشكوك فى وطنيته، وكذلك من حزن لنجاح الرئيس فإنه مشكوك
فى أمره. وإذا ما أخطأ فمن الأولى أن نصبر عليه، حتى تنتهى فترة ولايته حسب
العقد الاجتماعى الذى أتى به، لننهى حكمه من خلال انتخابات جديدة.
* ولكن إذا ما اتضح أن الرئيس أخطأ بالفعل فى الاقتراض من صندوق
النقد بفائدة ربوية، وبتعامله مع بنوك ربوية هل يدعونا ذلك إلى الخروج
عليه؟
- إذا أخطأ الرئيس فى ذلك فإن خطأه لا يوجب الخروج عليه، وإنما يوجب
النصيحة والتوجيه له، والخروج لا يكون إلا فى المصائب الكبرى التى من
شأنها هلاك الأمة وهو ما لا ينطبق على هذا الأمر.