ازدحام على العيش
لم يكن الوضع الاجتماعى للشعب المصرى أسوأ مما يمر به فى هذه
الأيام، ولم نكن نتوقع وصوله إلى هذا الحد من التدنى وخصوصًا بعد إزاحة
نظام الحكم السابق، حيث بدا لنا منذ الوهلة الأولى بعد إزاحته أنه هو السبب
الوحيد فيما نحن فيه من تدنى أخلاقى واجتماعى وسياسى واقتصادى، وأنه بمجرد
إزاحته ستبدأ الأحلام الوردية فى التحقق وسيتغير وضع هذا الشعب ويتبدل من
حال إلى حال، إلا أن الواقع الحالى يصدمنا لنصحو من نرجسية الأحلام الوردية
التى رسمها خيالنا لنجد أنفسنا اليوم نعيش على وقع كابوس مقلق فى ليل
مظلم.
نعم الفساد يضربنا فى العمق ومستشرى داخلنا، ونحن خيوط نسيجه وجزيئات
مادته، فالمدرس الذى يهمل الفصل المدرسى فيما يركز كل اهتمامه للدروس
الخصوصية خارجه هو جزء من منظومة الفساد، والطبيب الذى يهمل مريض المستشفى
الحكومى الذى يعمل به بل يجبره على الكشف عنده فى عيادته الخاصة ليتم
الاهتمام به فهو بهذا الفعل جزء من منظومة الفساد، صاحب محطة الوقود
(البنزينة) الذى يحجز جزءا من المواد البترولية المدعومة من الدولة ليوزعها
فى السوق السوداء هو محتكر وباغ وهو أيضًا بذلك الفعل جزء من منظومة
الفساد، كذلك صاحب فرن الخبز المدعوم من الدولة الذى يحابى أقاربه ويغدق
على من يرضى عنهم بأشهى المخبوزات وأشدها تفقيعًا ونضجًا فيما تخرج باقى
الحصة (مسخوطة) ومهملة ولا تصلح للاستخدام الآدمى للمغلوب على أمرهم هو
أيضا جزء من منظومة الفساد، وقس على ذلك كل صاحب منصب أو سلطة أو مهنة أو
حرفة ممن لديه الاستطاعة أن يقدم الأفضل ويتخاذل عن ذلك فى سبيل دريهمات
قليلة أو عرض زائل.
لا يزال أمامنا الكثير حتى نغير من سلوكنا وثقافتنا وطرق تفكيرنا، يجب أن
يعود الوازع الدينى ويزداد الإيمان كى يعود الأمان يجب أن يصحو الضمير من
الغفلة وأن نتذكر كلمة إتقان التى أسقطناها من قاموسنا العلمى والعملى.
نعم أيها السادة لا يمكن أن نتغير أو نعود للمقدمة إلا إذا غير كل منا من
نفسه أولا دون انتظار التغيير من الآخرين أولا، نحتاج أن نسمع قوله تعالى
"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" نحتاج سماع هذه الآية
كثيرًا والأهم من الاستماع هو أن نعى ونطبق وعندها سيسقط من قاموسنا كلمة
فساد كما سقط منه الآن أهم مفردات الرقى والتقدم.