نشأة الكيان اليهودي في فلسطين
1- كيف حدث؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فلْنَدعْ البكاء والعويل، ولننحي الحناجر المفتوحة على مصراعيها جانبا، ولنحاول أن نفهم: ماذا حدث؟ وكيف حدث؟
ماذا حدث؟
إن هناك دولة مسلمة تسمى فلسطين تحتوي على مدينة اسمها القدس، بداخلها ثالث
أكبر المقدسات الإسلامية، واسمه المسجد الأقصى، هذه الدولة تم احتلالها من
قبل ناس اسمهم اليهود، وبعد أن أتموا احتلالها أطلقوا عليها اسم إسرائيل،
ولتعديل هذا الوضع الشاذ في التاريخ ينبغي تحرير الدولة المسماة فلسطين من
الناس المسمون اليهود.
هذا ما حدث ولعلك تستغرب من بساطة وسذاجة الأسلوب الذي أكتب به، ولكن
المسألة فعلا بسيطة، ولا تحتاج إلى كل هذا الكم من التعقيدات والمناظرات
حول ماهية الوضع والصراع العربي الإسرائيلي، والتطبيع من عدمه، وحمامة
السلام التي بحثوا عنها في جميع "العشش" ولم يجدوها حتى الآن!!
كيف حدث ما حدث؟
فهذا هو السؤال الجدير بالبحث والمناقشة، وإقامة المناظرات للإجابة عنه.
فمع تصاعد موجات الكراهية ضد اليهود في أوروبا الكاثوليكية إبان العصور
الوسطى، والتي أدت في النهاية إلى طرد اليهود من انجلترا عام 1275م، ثم
فرنسا عام 1306م، ونفس الشيء فعلته المجر عام 1360م، وبلجيكا عام 1370م،
وسلوفاكيا عام 1380م، والنمسا عام 1430م، وهولندا عام 1444م، وأخيرا
إسبانيا 1492م.
بدأ يهود أوروبا يفكرون جدِّيَّا في المستقبل البائس الذي ينتظرهم بعد أن
ضرب عليهم الشتات في الأرض من جديد، ورغم عودتهم بعد ذلك إلى الدول التي
طردوا منها مظفرين بعد أن انتقموا من الكنيسة الكاثوليكية وملوك أوروبا
معا؛ بتدبيرهم الثورة الفرنسية عام 1789م أولى الثورات العلمانية في
أوروبا، والتي طارت من بعدها العلمانية إلى أوروبا كلها، وفي خلال سنوات
معدودة ودعت أوروبا الغربية كاثوليكيتها إلى غير رجعة، وأدخلت ملوكها
وقياصرتها إلى متحف التاريخ، وتبعتها أوروبا الشرقية بقيادة روسيا، ولكن
السلاح هذه المرة كان الشيوعية وليس العلمانية، ونستطيع القول بأنه بعد عام
1917م "بداية الثورة البلشفية الشيوعية في روسيا" لم يعد في شوارع أوروبا
كاثوليكي واحد، وانحصرت الكاثوليكية في الأديرة والكنائس.
ومنذ قيام الثورة الفرنسية في فرنسا إلى قيام الثورة البلشفية في روسيا لم
يبقَ في أوروبا دولة إلا وداينها اليهود. "انظر أحجار على رقعة الشطرنج
لويليام كاري"
ورغم كل هذه الانتصارات السياسية والاقتصادية ليهود أوروبا، إلا أنه -ولسبب
ما- بدأ كبار اليهود في العالم (ما عرف بعد ذلك بالحركة الصهيونية) يفكرون
في جمع يهود العالم في وطن واحد.
www.salafvoice.com
موقع صوت السلف
2- بدأت الاقتراحات تتوالىالحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فبدأت الاقتراحات تتوالى: مَنْ يَا تُرى تستحق أن تكون أرض الميعاد؟
ومن ضمن المقترحات كانت أوغندا، ورغم ما تتمتع به هذه الدولة من موارد
طبيعية، إلا أنه لا يوجد سبب تاريخي واحد يربط اليهود بأرض أوغندا، فلم
يظهر في أوغندا نبي من أنبياء بن إسرائيل، ولم يزُرها "في حدود علمنا" أي
ملك من ملوك بنى إسرائيل، فكيف سيقنعون يهود العالم بترك أوطانهم والهجرة
إلى أوغندا.
ومن الملاحظ أن هذه المشكلة سوف تصادفهم في أي أرض يختارونها!!
وهنا بدأ دور الأسطورة التاريخية في الظهور على مسرح الأحداث وبدأ التفكير
جدِّيَّا في فلسطين أرض الأجداد -ليسوا بأجدادهم على الحقيقة- التي تتحدث
عنها كتبهم، وتَوْرَاتُهُمْ أرض الميعاد التي تنتظر عودة ميشيا "المسيح
-عليه السلام-" ليقودهم في الحرب المقدسة التي ينتقمون فيها من الأميين.
ولكن للأسف فلسطين الآن مشغولة بحوالي مليون عربي، فما الحل؟
الحل هو أن يتم طرد هؤلاء العرب من الأرض ليخلوها لليهود القادمين من جميع
أنحاء العالم، فهؤلاء العرب لا حق لهم في الأرض، ووجودهم فيها عرضي مؤقت لا
يُحتَج به؛ لأنها أرض الأجداد، وهم وإن سمحوا للعرب بأن يشغلوها هذه
الفترة من الزمان فقد حان وقت استرداد الحقوق.
إذن هي فلسطين: "أرض بلا شعب" لليهود "الشعب الذي بلا أرض"
ولكن، ماذا نقول لأوروبا كي نقنعها بهذه الفكرة الأسطورية؟
لا عليكم مِن أوروبا؛ فَبَعْد قيامِ الثورة الصناعية التي تبعتها الثورة
العلمانية ماجت أوروبا بنظريات الكفر والإلحاد، وأمست أوروبا مقتنعة تمام
الاقتناع بالداروينية، فلا ربَ ولا خلقَ ولا بعثَ ولا نشورَ، فالإنسان مادة
مثلُ الذهب والفضة والنحاس، وكما أن هذه المواد متفاوتة في قيمتها فالجنس
الأبيض "الانجليز والألمان وشمال أوروبا" هو السيد، وهو المعدن النفيس،
وصاحب المؤهلات الكبرى لإقامة الحضارة، والجنوبيون "الطليان واليونانيين"
في الدرجة الثانية من الرقي، وفي الدرجة الأخيرة يأتي الغجر واليهود، هكذا
تقول نظريات النشوء والارتقاء.
إذن فأوروبا مستعدة تماما لتقبل فكرة خروج اليهود منها، بل وتنتظر ذلك
اليوم، وهو ما يعرفه اليهود جيدا، واستغلوه الاستغلال الأمثل لإقناع
الأوروبيين بفكرة الخروج إلى أرض الميعاد.
www.salafvoice.com
موقع صوت السلف
3- وتتوالى الموجات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فبدأت الهجرات اليهودية تتوالى على أرض فلسطين منذ عام 1882م إلى عام 1944م على شكل خمس موجات.
فكانت الموجة الأولى من الهجرة:
من عام 1882م إلى 1903م، وضمت من 20-30 ألف مهاجر بمعدل يصل إلى ألف مهاجر سنويا، وكان أكثرهم من روسيا وبولندا ورومانيا.
وتلتها الموجة الثانية:
من عام 1904م إلى عام 1914م، وضمت من 35-40 ألف مهاجر بمعدل 3000 مهاجر
سنويا، معظمهم من الروس بسبب الاضطرابات السياسية التي حدثت في روسيا بعد
الهزيمة من اليابان، وضمت هذه الموجة في من ضمت "بن جوريون" و"اشكول"
وغيرهم من حملة أفكار الصهيونية العالمية.
وخلال الفترة من عام 1914م إلى 1918م توقفت موجات الهجرة بسبب الحرب العالمية الأولى، ثم ما لبثت أن عادت بعد انتهاء الحرب.
فمن عام 1919م إلى عام 1923م دخل فلسطين 30 ألف مهاجر من روسيا وبولندا،
ونلاحظ الزيادة الفجائية في عدد المهاجرين، ويرجع ذلك إلى إغلاق الولايات
المتحدة الأمريكية أبوابها في وجه اليهود المهاجرين الذين اضطروا إلى تغيير
اتجاههم إلى فلسطين، ولو بشكل مؤقت.
والجدير بالذكر أن ممن كانوا ضمن الموجة الثالثة "جولدا مائير" رئيسة وزراء إسرائيل في فترة الحرب مع مصر.
بانتهاء الموجة الثالثة كان عدد اليهود الموجودين على أرض فلسطين 80 ألفا
يهودي على أقصى تقدير، مع الوضع في الاعتبار أن عدد اليهود في العالم آنذاك
15مليون يهودي، ومع ملاحظة أن الفترة من 1920م إلى 1922م شهدت نزوح 12% من
المهاجرين.
مع بداية الموجة الرابعة عام 1924م وانتهائها عام 1931م:
التي ضمت 82 ألف مهاجر من روسيا وبولندا، وبعد نزوح حوالي 33% من أفرادها
كان عدد اليهود في فلسطين قد بلغ 174ألفا، منهم 30 ألفا من اليهود القدامى
المتواجدين منذ قرون على أرض فلسطين.
ومع بداية الموجة الخامسة عام 1932م:
بدأ تدفق 265ألف مهاجر أتموا استيطانهم في فلسطين عام 1944م، وارتبطت هذه
الموجة ببداية استيلاء النازيين على السلطة؛ لذا نجد أن معظمهم من ألمانيا
وبولندا وتشيكوسلوفاكيا والنمسا، أي من وسط أوروبا.
وكان أعضاء هذه الموجة من الرأسماليين وأصحاب المهن الحرة، وقد أثروا
الصناعة الصهيونية، خاصة صناعة النسيج والصناعات الكيماوية والمعادن وإنتاج
الحمضيات، وتضاعف في هذه الفترة عدد المؤسسات الصناعية.
ومع بداية الحرب العالمية الثانية عام 1939م أغلقت الأبواب ضد البضائع
الأجنبية، وشهدت هذه الفترة ازدهارا غير عاديا للصناعة الصهيونية.
ويقال: إن هذه الفترة شهدت تشييد البنية التحتية لإسرائيل.
بعد انتهاء الموجة الخامسة:
وصل إلى فلسطين ما يقرب من 192ألف مهاجر، وبعد انتهاء الحرب وصل عددهم 161ألف مهاجر ممن نجوا من معسكرات الاعتقال والإبادة.
مع حلول عام 1948م:
كان عدد اليهود على أرض فلسطين قد بلغ 649623 نسمة، لو جمع هذا العدد في
عائلات مكونة من 5أفراد، كان العدد الناتج 129927عائلة، والأملاك المستولى
عليها من قبل اليهود إلى عام 48 كانت تكفي 32521 عائلة فقط، أي أن هناك
فائض 97406عائلة.